أكثر من 137 قتيلاً خلال عشرة أيام وسط استهداف مباشر للطائفة الدرزية
شهدت سوريا خلال الفترة الممتدة من 28 نيسان حتى 6 أيار تصاعدًا مقلقًا في وتيرة العنف الطائفي، استهدف بشكل مباشر للطائفة الدرزية في عدد من المدن والبلدات، حيث سجل مركز معلومات روج آفا سقوط أكثر من 137 قتيلاً، بينهم مدنيون وعناصر من قوى الأمن العام ومسلحيين درزيين، في أحداث اتخذت طابعًا دمويًا معقدًا، وسط اتهامات متبادلة بين الأطراف المتصارعة. التصعيد الذي بدأ بعد انتشار تسجيل صوتي مفبرك منسوب لرجل درزي، يتضمن إساءات دينية للنبي محمد، ما أثار حالة من الاستنفار والتحريض على مستوى الشارع، خصوصاً ضمن أوساط الطلابية التي شهدت توتراً متزايداً عقب اقتحام مجموعة من الشبان المدينة الجامعية وقيامهم بترديد شعارات دينية اعتُبرت استفزازية، تطورت إلى مشاجرات واعتداءات أدت إلى إصابات بين الطلبة، بعضها نتيجة الطعن، حيث ذكرت التقارير أن مئات من الطلاب غادروا سكنهم الجامعي في بداية الشهر بعد التهديدات والمضايقات في حمص ودمشق وحلب، وتعرض الشاب الطالب الجامعي من الطائفة الدرزية أدهم غنام لعملية طعن.
التوتر أنتقل إلى مدينة جرمانا القريبة من دمشق، والتي تُعد من أبرز التجمعات السكانية للدروز، إذ وقعت اشتباكات عنيفة مساء 29 نيسان بعد هجوم مسلح بالقذائف والرشاشات استهدف أحياء مأهولة. حيث تدخل مسلحون محليون للدفاع عن المدينة، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 13 شخصاً، بينهم أربعة من عناصر قوى الأمن العام، وفقًا لبيان رسمي، بينما أشارت روايات شهود عيان إلى أن المهاجمين استهدفوا قوات الأمن ظنًا أنهم من أبناء الطائفة الدرزية. التوتر لم يتوقف عند هذا الحد بل وفي تطور أكثر خطورة، شهدت بلدة أشرفية صحنايا عمليات قتل جماعية راح ضحيتها ما لا يقل عن 41 شخصاً، بينهم 24 مسلحًا درزيًا و17 مدنياً، إضافة إلى رجال دين وشخصيات محلية، سُجلت بينهم 13 حالة إعدام ميداني. وأكدت مصادر أن بعض القتلى أُعدموا بدم بارد بعد اعتقالهم، ومن بينهم رئيس البلدية السابق “حسام ورور” وابنه، إضافة إلى اثنين من رجال الدين من عائلة “مكاكي“، عُثر على جثتيهما بعد أيام من اعتقالهما خلال حملة أمنية مشتركة نفذتها جهات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع. وفي سياقٍ متصل، تعرض رتل عسكري تابع لمسلحين دروز لكمين محكم على طريق دمشق–السويداء، في منطقة تُعرف باسم “براق“، أثناء توجههم إلى صحنايا، ما أدى إلى مقتل 48 منهم. ووفقاً لمصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، استخدم المهاجمون أسلحة متطورة وأوقعوا الرتل في فخ مدروس، وسط اتهامات بمشاركة عناصر من بعض العشائر المحلية في الهجوم، خاصة بعد تصاعد خطابات تحريضية تجاه الطائفة الدرزية في الأيام السابقة، وقد أقام مجلس سويداء العسكري مراسم تشييع لـ 27 مقاتلاً من السويداء في الأول من أيار، معظمهم قضوا في كمين على طريق دمشق–السويداء.
الامتداد الجغرافي للعنف والتوتر أنتقل أكثر من ذلك وشمل عدداً من القرى الدرزية في محافظة السويداء، مثل عرى وكناكر، حيث استُهدفت المناطق بالقذائف والرشاشات الثقيلة، وسُجل مقتل أربعة أشخاص على أطراف بلدة كناكر نتيجة قصف نفذته طائرة مسيّرة مجهولة. كما اندلعت اشتباكات عنيفة في قرى رساس ولبين وعريقة والدور، إثر محاولات تسلل مسلحة تم التصدي لها من قبل المسلحين المحليين. لم تُحدد بعد هوية الجهات المشاركة في الهجوم على الطائفة الدرزية، إلا أن الروايات تشير إلى تورط مجموعات تنتمي إلى الأمن العام، وأخرى تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، بعضها تصرف دون أوامر رسمية، وفقاً لشهادات نقلها مراسل مركز معلومات روج آفا.
تحدث مركز معلومات روج آفا (RIC) مع زايد، وهو باحث في السويداء، قائلاً:
“شعرنا بخيبة أمل من جميع الأطراف. المشكلة أننا وقعنا دائمًا في نفس مشكلة الحصار منذ عهد النظام“، في إشارة إلى طريق السويداء–دمشق، ويتابع: “المخرج الوحيد من محافظة السويداء هو باتجاه دمشق. وهذا يخلق ضغطًا نحو قبول المفاوضات، رغم الهجمات المستمرة على قرى السويداء“
في سياق التوتر والعنف، وفي قرية الصورة الكبيرة، دخلت قوات أمنية البلدة بعد تهجير سكانها، ووقعت عمليات نهب وحرق طالت الممتلكات والمنازل، شملت أيضًا تدمير مقام ديني درزي بالكامل. وأسفرت المواجهات هناك عن مقتل خمسة من المسلحين الدروز أثناء صد الهجوم، في حين تداولت تقارير عن استخدام أسلحة ثقيلة وفرض حصار على البلدة استمر لساعات. وفي بلدة الهويا، شُيّع الشاب ربيع الشعشاع الذي فارق الحياة تحت التعذيب، بحسب ما أفادت مصادر أهلية، بعد اعتقاله في وقت سابق من داخل بلدة صحنايا، حيث سُلّمت جثته إلى ذويه دون بطاقته الشخصية، وسط أنباء عن تعذيب شديد تعرض له داخل مركز احتجاز رسمي. ووفقاً لحصيلة موثقة حتى تاريخ 6 أيار، بلغ عدد القتلى من المسلحين الدروز 88 شخصاً، توزعوا بين 48 في كمين براق، و24 في صحنايا، و8 في جرمانا، و4 في كناكر، و5 في الصورة الكبيرة، إضافة إلى ربيع الشعشاع الذي قضى تحت التعذيب. أما عدد الضحايا المدنيين من الطائفة، فقد بلغ 17 قتيلاً، معظمهم سقطوا في عمليات إعدام ميدانية أو جراء القصف المباشر، مع استمرار احتجاز 17 شخصاً من أهالي أشرفية صحنايا، وسط تضارب المعلومات حول مصيرهم في ظل تعتيم رسمي على مجريات التحقيق. تشير هذه الأحداث إلى نمط متصاعد من العنف الطائفي المركب، وسط تواطؤ وتقصير رسمي، وانفلات أمني يعيد إلى الأذهان مشاهد مأساوية من سنوات الحرب الأولى.
وفي الأيام القليلة الماضية، تعرضت البلدات والقرى الدرزية لقصف متكرر بقذائف الهاون، مستهدفًا منازل المدنيين. وكان آخر هذه الهجمات في 12 أيار/مايو، حيث سقطت قذيفة هاون على قرية المجيمر الواقعة غرب المحافظة، مما أسفر عن إصابة سيدة بجروح.
عمرو آل معروف أكد لـ RIC :
أن “رفض تسليم السلاح داخل السويداء جاء بعد تكرار الهجمات ومحاولة اقتحام قرية الصورة الكبيرة، وسرقة المنازل، ما دفع وجهاء الطائفة ومشيخة العقل، وفي مقدمتهم المرجعية الدينية الشيخ حكمت الهجري، إلى رفض دخول عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية إلى السويداء، خشية تكرار مجازر جبال الساحل بحق أبناء الجبل“، وهو ما لاقى تأييداً شعبياً واسعاً، خاصة بعد انتشار صور من الأشرفية.
كما صرح الناشط السياسي والمعارض السابق معن أبو لطيف، لمركزنا قائلاً:
“الموضوع أكبر من خلاف سياسي أو انفلات أمني، فالمجموعات التي تتحرك تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وتحمل عقيدة تكفيرية تستهدف الأقليات غير المسلمة، فيما تغض السلطة الطرف عن ذلك ولا تضبط هذه المجموعات“. وحذر من أن إدخال هذه القوات إلى المناطق الدرزية يعرض أبناء الطائفة للاعتقال والتنكيل، مؤكداً أن “رجال السويداء سيدافعون عن أرضهم كما فعلوا عبر التاريخ“.
على صعيد ردود الفعل الدولية، كانت وزارة الخارجية الفرنسية أول من أدان أعمال العنف التي يتعرض لها الدروز في سوريا، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية التي دعت إلى وقف الأعمال العدائية ضد أبناء الطائفة الدرزية، مطالبة الحكومة السورية بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
وقد أعلن محافظ ريف دمشق عامر الشيخ في 30 أبريل عن توصل لاتفاق مبدئي يقضي بوقف إطلاق النار في كلٍّ من جرمانا وصحنايا وتشكيل لجنة مشتركة للعمل على إيجاد حلول تساهم في تحقيق التهدئة، إلا أن عددًا كبيرًا من شبان البلدة تم اعتقالهم خلال حملة اعتقالات. وعلى الرغم من الإفراج عن عدد منهم لاحقًا، لا يزال آخرون قيد الاعتقال في سجون الحكومة الجديدة، وسط مطالبات مستمرة بالإفراج عنهم، وقد أفرجت سلطات حكومة تصريف الأعمال السورية عن الدفعة الرابعة من المعتقلين في أشرفية صحنايا خلال الاشتباكات ضد الأقلية الدرزية. وكانت الاشتباكات قد توقفت قبل تسعة أيام بعد اتفاق مبدئي بين زعماء الدروز ومحافظ السويداء مصطفى البكور. وتُعد صحنايا من أكثر المناطق تضررًا من حيث شدة أحداث العنف، حيث أفاد شهود عيان بتعرض المعتقلين للضرب والإهانات والتنكيل. وتصاعدت المخاوف بعد وفاة المعتقل ربيع الشعشاع، البالغ من العمر 37 عامًا، داخل أحد مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة الجديدة. والشعشاع من أبناء بلدة الهويا جنوب السويداء وكان يقيم في حي الأشرفية. وتخشى عائلات المعتقلين أن يلقى أبناؤهم المصير ذاته. وفي حادثة منفصلة ضمن السياق ذاته، تم الإعلان عن وفاة الشاب رواد محمود مداح، البالغ من العمر 35 عاماً، والذي كان مفقوداً منذ توقيفه ضمن الحملة ذاتها، ليتبين لاحقاً أنه قُـتل مـيدانياً، بحسب ما أفاد به شهود محليون. أما في جرمانا، فقد جرى التوصل إلى اتفاق أمني تم بموجبه تسليم السلاح وضبط الوضع الأمني في البلدة، تزامناً مع انتشار عناصر من الأمن العام، شُرط على بعضهم أن يكونوا من سكان المنطقة أنفسهم. ورغم هذا الاتفاق والتطمينات المقدمة، لا يزال الوضع مقلقًا، إذ تُبدي الأوساط المحلية خشيتها من احتمال قيام بعض العناصر المسلحة المحسوبة على الدولة بشن هجمات جديدة على الأحياء الدرزية. ويعود هذا القلق إلى كون هذه العناصر لا تخضع بالكامل لسلطة مركزية، وقد لا تلتزم بالتعليمات الصادرة عن الحكومة.
بالنسبة للسويداء، قال مراسل RIC هناك:
“بقيت السويداء أكثر استقلالاً، خاصة بعد صد الهجمات الكبيرة من قبل عناصر مسلحة وبعض من أبناء العشائر المقربون من السلطة مؤخراً، حيث لم تحقق الهجمات أي تقدم أو إنجاز ميداني بل تكبدت خسائر كبيرة.”
تواصلت الهجمات لعدة أيام، وغالبًا ما نُفذت باستخدام قذائف الهاون التي استهدفت قرى ريف السويداء الغربي المحاذية للحدود الإدارية مع محافظة درعا، ومنها: عرى، لبين، المجيمر، كناكر، عريقة، والدور، ما أدى إلى تضرر منازل المدنيين. وفي تصعيد أكبر، توغلت عناصر مسلحة في بلدة الصورة الكبيرة الواقعة في أقصى شمال محافظة السويداء على خط دمشق–السويداء، حيث أُضرمت النيران في عدد من المنازل، وطال الحرق مقامًا دينيًا، كما شهدت البلدة عمليات نهب وسلب، أسفرت عن مقتل أربعة مواطنين. لاحقًا، انسحبت هذه العناصر من البلدة عقب الحديث عن اتفاق تم التوصل إليه بين الحكومة السورية والشيخ حكمت الهجري، وتضمن الاتفاق نشر عناصر من الشرطة والأمن العام من أبناء المحافظة، وتفعيل عمل الضابطة الشرطية، إضافة إلى وقف حملات التحريض والاعتداء على السويداء، وتأمين طريق دمشق–السويداء. ولا زال الوضع هادئًا إلى حد ما، رغم تخلله بين حين وآخر رشقات قذائف على القرى الغربية من المحافظة.
وذكرت الأنباء المحلية أن هناك جولات من القصف العشوائي على المناطق السكنية قرب درعا بين الثامن والعاشر من مايو/أيار منذ الموافقة على الاتفاق الأولي. مع ذلك، لا يزال تصوير الأحداث بصدق موضع خلاف في وسائل الإعلام، حيث تُعتبر الاعتداءات الجسدية والروايات العامة التحريضية استفزازاتٍ لمزيد من الصراع. وتستمر الدعوات الشعبية إلى الهدوء والوحدة من القيادة الدرزية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولا تزال المحادثات جارية بين القيادة الدرزية وقيادة السويداء وحكومة الإنقاذ للتوصل إلى اتفاق أكثر استدامة.
يؤكد زايد لـ RIC:
“ستكون المفاوضات عديمة الجدوى وستبقى شكلية في ظل غياب خطاب وطني حقيقي لم ينطلق من دمشق منذ سقوط النظام. برأيي، يمكن لتعزيز التعاون والتنسيق بين الأطراف المعارضة لهيئة تحرير الشام أن يدعم تشكيل خطاب وطني شامل، يُبنى عليه حكومة تناسب جميع السوريين“.