مؤتمر الحوار الكردي في روج آفا: تعزيز الوحدة الكردية وتوحيد المواقف
أُوقر يوم الغد ،السادس والعشرين من الشهر الجاري، يوم انعقاد “المؤتمر الوطني الكردي” في شمال وشرق سوريا، وذلك بعد تأجيله بسبب الأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة / وبسبب خلافات بين الأحزاب بشأن المؤتمر. ويهدف المؤتمر إلى تشكيل مرجعية سياسية موحدة للكُرد في روج آفا – سوريا، والمساهمة في إيجاد حل عادل للقضية الكردية ضمن مستقبل سوريا، وضمان حقوق الشعب الكردي من خلال وثيقة يتم الاتفاق عليها من قِبل المشاركين في المؤتمر، وهذه هي المرة الأولى التي ستجتمع فيها الأطراف الكردية السورية على موقفٍ مشترك منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، عندما كانت تحاول هذه الأطراف الوصول لصيغة موحدة بشأن المسألة الكردية في سوريا، والتي أيضاً تحظى بدعمٍ من الولايات المتحدة وفرنسا، كما أن هناك إجماعاً كردياً بشأن الوصول لرؤية كردية موحدة في سوريا، حيث يدعم ذلك قادة أكراد أبرزهم “مسعود بارزاني” الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق الذي استقبل قائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي في أربيل. وبحسب اللجنة التحضيرية، سيشارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية من روج آفا، وشمال وجنوب كردستان، بالإضافة إلى شخصيات كردية من عدة مناطق سورية مثل دمشق، حلب، حماة، الباب، وإعزاز. كما سيحضر وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من شمال كردستان، وممثلون عن أحزاب وتنظيمات من جنوب كردستان.
ولتفاصيل أكثر حول انعقاد المؤتمر، أجرى مركز معلومات روج آفا لقاءً مع كل من: سما بكداش، الناطقة باسم أحزاب الوحدة الوطنية الكردية (PYNK)، والدكتور غربي محمود أحمد، عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الكردي.
تقول سما بكداش بأن الخطوات المتخذة لعقد المؤتمر جاءت بعد فترة من العمل والتحضير، بهدف إنجازه بمشاركة جميع الأطراف السياسية، وكما هو معلوم، كانت هناك جهات أبدت ترددها أو عدم رغبتها في المشاركة، مثل المجلس الوطني الكردي، لكن وبعد عدة محاولات، وافقوا في النهاية على الانضمام والمشاركة في المؤتمر. وتضيف: “لكل حزب توجهه السياسي والفكري فيما يخص القضايا السياسية والاستراتيجية، ولهذا السبب شكّلت الموافقة الجماعية من جميع الأحزاب على الوثيقة المُعدّة خطوة بالغة الأهمية نحو توحيد الصف الكردي. وسيُناقش هذا المؤتمر الوثيقة السياسية، إلى جانب طبيعة النظام الذي نطمح إليه في سوريا، وكيفية معالجة القضية الكردية داخل البلاد، وإذا استطاع الكرد التعبير عن رؤيتهم بصوت واحد وموقف موحّد، فمن المؤكد أن ذلك سيكون له تأثير فعال وقوي”. وبخصوص الوثيقة تحدثت بكداش عن شمل مشاركة المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية بالإضافة إلى اللجنة التحضيرية. وتضم الوثيقة نقاطاً محورية تتعلق بحقوق الشعب الكردي، واللغة والثقافة، وقضايا الهوية والوجود، مما يضمن صوتاً كردياً موحداً في أي حوار سياسي مستقبلي، خاصة في حال التوجه نحو دمشق للمفاوضات. هذا التوافق من شأنه أن يُحدث أثراً ملموساً على المسار السياسي العام.
سما بكداش، الناطقة باسم أحزاب الوحدة الوطنية الكردية (PYNK)
أما الدكتور غربي محمود أحمد، عضو اللجنة التحضيرية، أكد أن الهدف من المؤتمر هو تحقيق وحدة وطنية في روج آفا وكافة أجزاء كردستان، نظراً لحساسية وخطورة المرحلة التي يمر بها الشعب الكردي، مشدداً على أن أعين الكرد في الأجزاء الأربعة من كردستان تتجه إلى هذا المؤتمر. وأوضح أن المؤتمر لا يستهدف إشراك الأحزاب السياسية فقط، بل يحرص على إشراك مختلف المكونات المجتمعية من نساء، وشباب، ومثقفين، وكتّاب، وشخصيات مستقلة، حتى تكون الوحدة الوطنية شاملة وحقيقية.
في الوقت الراهن، لا توجد خلافات كبيرة بين الأطراف، لكن التحدي الأبرز يتمثل في صياغة الوثيقة السياسية من طرف ENKS (المجلس الوطني الكردي) وPYNK (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية) وباقي الأحزاب، بالإضافة إلى اللجنة التحضيرية. حيث سيتناول المؤتمر مناقشة الوثيقة التي تم إعدادها، والتي تتضمن رؤية واضحة لشكل النظام المنشود في سوريا، وستصدر عنه مخرجات نهائية بناءً على النقاشات التي سيخوضها المشاركون، إلى جانب كيفية معالجة القضية الكردية ضمن هذا الإطار، والوثيقة تشمل عدة نقاط رئيسية، أبرزها حقوق الشعب الكردي، اللغة والثقافة الكردية، والقضايا المتعلقة بالهوية والوجود الكردي في سوريا. وحول هدف هذه الوثيقة، فهي تهدف في المقام الأول إلى توحيد الموقف الكردي، وتقديم مطالب واضحة ومشتركة باسم الكرد، مما يمنحهم صوتاً موحّداً في أي حوار سياسي قادم، وخصوصاً في النقاشات المنتظرة مع حكومة دمشق، وهو ما يتوقع أن يكون له تأثير إيجابي كبير على مسار الحل السياسي. لقد تزايدت الضغوط الإقليمية والدولية على الطرفين عقب سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي. وشهد الملف انفراجاً بعد زيارة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى إقليم كردستان العراق ولقائه الرئيس مسعود بارزاني، حيث أكدا توافقهما على ضرورة الوحدة الكردية. وقد أعلنت هيئة رئاسة المجلس الوطني الكردي قبل أيام التوافق على موعد انعقاد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي، الذي أعلن عنه مظلوم عبدي بشكل رسمي على موقعه في منصة أكس، ليُعقد رسمياً يوم السبت الموافق 26 نيسان الجاري، معتبرةً أن هذه الخطوة تمثل استحقاقاً سياسياً يعكس طموحات السوريين الكرد، وأكدت أن التوصل إلى هذا الإنجاز جاء نتيجة لإرادة أبناء الشعب الكردي وجهود مناضليه، وبدعم من الرئيس مسعود بارزاني والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، كما التقى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني يوم أمس 24 أبريل حيث أكد الجانبان على أهمية تعزيز الوحدة والتفاهم بين القوى والأطراف الكردية في سوريا، باعتبار ذلك ضمانة أساسية لتحقيق المطالب والحقوق المشروعة للشعب الكردي في البلاد. وبالنسبة لدعوة حضور المؤتمر فهي موجهة لجميع القوى السياسية الكردية، بما في ذلك الكرد من دمشق وحلب، وأولئك المقيمين خارج البلاد، وأيضاً الأحزاب الأخرى خارج إطاريي ENKS وPYNK، فالمؤتمر قومي عام لا يخص حزباً أو جهة بعينها.
تحدث غربي عن الاجتماع الذي انعقد في الشهر الأول في “حديقة آزادي“، والذي حضره مندوبون من مختلف القوى السياسية الكردية باستثناء المجلس الوطني الكردي. وأشار إلى أن المؤتمر لن يكتمل إلا بحضور جميع القوى، لأنه من غير المجدي التوجه إلى دمشق بمواقف متفرقة. وأعرب عن أمله بأن يتم الاتفاق بشكل نهائي على الوثيقة السياسية التي ناقشتها كل الأطراف، بما فيها الأحزاب التي لا تنتمي إلى ENKS أو PYNK، وكذلك اللجنة التحضيرية. ويقول: “أن نجاح المؤتمر مرهون بعدم تدخل تركيا، التي لطالما سعت لإفشال جهود توحيد الصف الكردي، ومع ذلك، فإن هناك تفاؤل عام بعد اللقاء الذي جمع مظلوم عبدي مع مسعود بارزاني في أربيل“. كما أكد على أهمية مشاركة الجميع في هذا الحدث لأن الكرد بدون وحدة شاملة سيواجهون صعوبات كثيرة. وأشار إلى التحديات اللوجستية مثل صعوبة وصول بعض المشاركين من مناطق بعيدة، بالإضافة إلى احتمالية تدخل جهات معادية. لكنه عبّر عن أمله بأن تكون نتائج المؤتمر إيجابية بمشاركة الجميع، من جانبه تقول بكداش: “أننا نتقرب بمسؤولية وإذا قدمنا تنازلات لن تكون خسارة من أجل بناء الوحدة الوطنية، ومن المؤكد أن هناك العديد من القوى التي لا تريد وحدة الكورد، وكان لهم دور في إعاقة الوحدة. لتقوم الأحزاب بمسؤوليتها التاريخية يجب عليها أن تترك مصالحها الشخصية والحزبية، وفي المقابل أن تقدم المصالح الشعبية وحماية المكتسيات وحل الأزمة الكردية في سوريا، لهذا اعتقد بأننا تخطينا الكثير من المصاعب وأتمنى أن لا تواجها تحديات أكثر، والذي قاد هذا الحوار كان القائد مظلوم عبدي، كما أن فرنسا وأمريكا دعموا هذه الوحدة الوطنية، وبشكل خاص فرنسا، حيث كان لها دور خاص لتقارب وجهات النظر بين الطرفين وكذلك أمريكا. المؤتمر سيناقش فقط الوثيقة وسيكون هناك مخرجات بعد نقاشات من الحضور، نتعامل مع هذا المسار بروح من المسؤولية، ونؤمن أن أي تنازل يُقدم في سبيل بناء الوحدة الوطنية لا يُعد خسارة، بل هو تضحية في الاتجاه الصحيح، ومن الواضح أن هناك قوى متعددة لا ترغب في تحقيق وحدة الكرد، وقد لعبت دوراً في عرقلة هذا المسار سابقاً، لذلك، إن التزام الأحزاب بمسؤولياتها التاريخية يتطلب منها أن تتجاوز المصالح الحزبية والشخصية، وتضع المصلحة العامة، وحماية المكتسبات، وحل الأزمة الكردية في سوريا في مقدمة أولوياتها“.
وهذا كما أوضحه غربي أيضاً، حيث أكد أن أي تنازل يتم تقديمه في سبيل تحقيق هذه الوحدة ليس خسارة، بل هو تضحية من أجل المصلحة العامة، وأن هناك جهات لا ترغب في وحدة الكرد، والتي سعت سابقاً لإفشال مثل هذه المحاولات، لكن الظروف الحالية تُحتم على الجميع تجاوز المصالح الحزبية الضيقة والتفكير في المصلحة العامة. وبالنسبة للتغيرات السياسية بعد المؤتمر، يقول غربي: “بكل تأكيد التغيير سوف يعالج الوضع السياسي العام والوضع العام للحركة الكردية المتطلبات التي تحتاجها الحركة الكردية والوضع العام للعلاقات التركية السورية، أيضاً التحديات التي تواجهها الحركة الكردية مثل القصف التركي المستمر، والعلاقات الكردية_الأمريكية والكردية_الدولية“.
تطمح الأحزاب الكردية حالياً إلى إنجاح هذا المؤتمر ليكون خطوة فعلية نحو بناء وحدة وطنية في روج آفا كردستان، وفي باقي أجزاء كردستان، فهم يدركون تماماً حساسية وخطورة المرحلة التي يمر بها الشعب الكردي في كل مكان، ولأن أنظار الكرد في الأجزاء الأربعة من كردستان تتجه نحو هذا المؤتمر، وذلك بعد ضغط شعبي ودولي على الأحزاب لعقد مؤتمر مشترك. وإن تمكنوا من عقد هذا المؤتمر اليوم في روج آفا، فسيشكل أساساً قوياً لإطلاق مؤتمرات مماثلة، كما يتم الحرص على ضمان مشاركة كافة الأطراف في هذا المؤتمر، وليس فقط الأحزاب السياسية، لأن الحديث هنا عن الوحدة الوطنية، وهو ما يستدعي انخراط جميع المكونات المجتمعية. لذا تقوم اللجنة التحضيرية على إشراك مراكز ومؤسسات تمثل فئات مختلفة، مثل النساء، والشبيبة، والمثقفين، والكتّاب، والشخصيات المستقلة، لتكون هذه الوحدة شاملة وحقيقية.
وأخيراً، أكد غربي أن “سوريا لن تستقر بدون إيجاد حل جذري للقضية الكردية، التي بقيت مهمّشة لعقود طويلة. واليوم، بات للكرد قوة عسكرية تحظى باحترام العالم، ووفود كردية تُستقبل في عواصم كبرى مثل واشنطن وموسكو وباريس، خاصة بعد دورهم الكبير في محاربة تنظيم داعش. ولذلك فإن عقد هذا المؤتمر هو خطوة مفصلية ليس فقط لتوحيد الموقف الكردي، بل لتغيير النظرة العامة تجاه الكرد في سوريا، وربما يؤسس لمرحلة جديدة من الحوار والمصالحة الوطنية. من المؤكد أن عقد هذا المؤتمر سيكون خطوة إيجابية، وله تأثير كبير على وحدة الكرد، حيث يعزز موقفهم من خلال توحيد آرائهم السياسية. بعد ثورة روج آفا، أصبح الكرد يقودون مشروعاً ديمقراطياً في شمال وشرق سوريا، جنباً إلى جنب مع القوميات الأخرى، وتمكنوا من بناء مشروع ديمقراطي شامل في المنطقة، ومن أجل الحفاظ على هذه المكتسبات”.