مقابلة: الواقع يُثبت أن “الضباع لا أمان لها” – عمار حسون من الطائفة العلوية في مدينة الجبلة

, ,

تستمر التوترات والجرائم في الساحل السوري بعد معارك عنيفة بين الأمن العام السوري ومجموعات مسلحة متهمة بالولاء للنظام السابق، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والضحايا المدنيين. وقد فرّ الآلاف إلى مناطق مختلفة داخل سوريا وخارجها، بينما استقرت مجموعة كبيرة منهم في قاعدة حميميم الروسية وسط غياب المساعدات الإغاثية اللازمة. يروي عمار حسونمن الطائفة العلوية في مدينة جبلة لمركز معلومات روج آفا التفاصيل، منذ لحظة اندلاع الهجوم على الساحل وصولاً لفراره إلى مطار حميميم.

 

مركز معلومات روج آفا: ما هو أسمك ومن أين أنت؟

_أنا أسمي عمار حسون من مدينة جبلة وموظف مدني في الوزارة المالية.

 

هل يمكنك أن تروي لنا كيف بدأ الهجوم على الساحل؟

_في البداية، وبعد سقوط نظام الأسد على يد بعض الدول وتصعيد الجولاني إلى الحكم بدلاً عنه، ألقى الجميع سلاحهم، سواء في الثكنات العسكرية أو الوحدات العسكرية أو حتى السجون، وعادوا إلى منازلهم. لم تتعرض الهيئةلأحد في ذلك الوقت، باستثناء بعض الحالات الفردية، لكن سُجن جزء من العسكريين الذين ألقوا سلاحهم وتوجهوا إلى العراق أو إلى مناطق سيطرة قسد، والذين عادوا لاحقاً بقصد تسوية أوضاعهم، إلا أنهم اعتقلوا فور عودتهم، ويقدَّر عددهم الآن بالآلاف داخل السجون.

لاحقًا، بدأت إجراءات التسوية لمن عادوا إلى منازلهم بسلام، لكن بعد فترة وجيزة، بدأت حملات مداهمة استهدفت الأشخاص الذين أجروا تسويات، خاصة صغار الضباط وصف الضباط، حيث تم اعتقالهم. في المقابل، نال بعض كبار العسكريين ورجال الأعمال المحسوبين على نظام الأسد العفو بطرق معينة، سواء عبر قنوات مالية أو سياسية. بعد ذلك، شرعت الهيئةفي مداهمة منازل مدنيين في حمص، وحماة، والساحل، وحلب، ودمشق، بحجة التحقيق، لكن لاحقًا عُثر على هؤلاء الأشخاص مقتولين، وقد نُهبت أموالهم. ورغم أن السلطات ادّعت أن هذه الحوادث مجرد تصرفات فردية من عناصر غير منضبطة، فإنها لم تتخذ أي إجراءات لمحاسبة المتورطين فيها. وجرى فصل الموظفين بطرق تعسفية جائرة، دون منحهم أي رواتب أو تأمين، تزامنًا مع موجة غلاء غير مسبوقة طالت المحروقات والمواصلات والغاز والخبز والاتصالات، حيث تضاعفت الأسعار بشكل كبير، بينما بقيت الرواتب على حالها دون أي زيادة. وفي ظل هذا الوضع، اندلعت الاحتجاجات والتظاهرات رفضًا لهذه الممارسات، إلا أنها قوبلت بالقمع والاعتداءات. لاحقًا، تم تشكيل لجان دينية وثقافية لمحاولة إيجاد حلول، لكن لم يكن لها أي تأثير ملموس على الأرض، بل على العكس، تصاعدت حملات المداهمة والاعتقال والاختطاف والسرقة والقتل بحق المدنيين، تحت ذريعة ملاحقة فلول النظام“. كما ازدادت حالات الفصل الجماعي من الوظائف. إلى جانب ذلك، برزت مجموعات نظمت تظاهرات ليلية تتضمن هتافات مسيئة بحق الطائفة العلوية واعتداءات لفظية ضد أفرادها، دون أي تدخل أو ردع من قبل ما يسمى بـالأمن العام“. وصل الاحتقان الشعبي ذروته، وكان بحاجة إلى شرارة فقط، خاصة مع تصاعد الشحن الطائفي عبر صفحات الإنترنت بين المكونين السني والعلوي، والدعوات إلى الجهاد بشعارات مثل الله أكبر، وجيناكم يا علوية بالدبح، ويا علي مدد، رح نرد الضيم“. حتى وصل الأمر إلى حادثة بيت ياشوط، حيث وقعت مداهمة أدت إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى من عناصر الأمن العامومن المدنيين العلويين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن منطقتهم، بعد انتشار فصائل تكفيرية تضم مقاتلين من الأوزبك والشيشان وغيرهم من الجنسيات غير السورية، المتمركزين في مقر اللواء 107 داخل بيت ياشوط. انتهى التصعيد بتسليم السلاح وانسحاب العناصر الأجنبية من المنطقة، ليحل مكانهم عناصر سوريون من الأمن العام“. وتوسعت الأحداث لاحقًا في حمص، وحماة، وصولًا إلى القرداحة، حيث بدأ عناصر الأمن العامبالاستيلاء على منازل المدنيين بالقوة للاستيطان فيها. رفض الأهالي ذلك، ما أدى إلى مقتل أحد أصحاب المنازل على يد عناصر الأمن العام، وهو ما فجّر الغضب الشعبي، فخرجت مظاهرات حاشدة في القرداحة، لكنها قوبلت بإطلاق النار، ما أسفر عن سقوط أكثر من عشرة قتلى وجرحى. بدلًا من تهدئة الأوضاع، أُرسلت أرتال عسكرية لبث الخوف والرعب بين الأهالي. وتكررت نفس السيناريوهات في حي الدعتور بمدينة اللاذقية، حيث نفذ مجهولون هجوماً بقنابل على أحد الحواجز الأمنية قبل أن يلوذوا بالفرار، ما تسبب في موجة جديدة من العنف، تضمنت عمليات قتل، ورعب، وخطف، وتهديدات طائفية.

 بلغت الأوضاع ذروتها يوم الخميس المشؤوم، عندما توجه رتل عسكري إلى منطقتي الدالية وبيت عانا لاعتقال أشخاص اتُّهموا بأنهم من فلول النظام، رغم أنهم كانوا مجرد مدنيين. تم القبض عليهم، لكن بدلاً من مغادرة المنطقة، استمر الرتل في التجول لاعتقال المزيد، ما أشعل الغضب الشعبي. هاجم السكان العناصر المسلحة وتمكنوا من تحرير اثنين من المعتقلين، لكن بعد ساعات، عُثر على جثة معتقل ثالث مقتولًا في أحد أحراش الدالية، ما أدى إلى انفجار الوضع، لتندلع اشتباكات عنيفة بين الأهالي المسلحين وعناصر الأمن العام، وتصاعد الأمر إلى تحشيد من الطرفين. زاد الطين بلة استخدام الطيران الحربي والمدفعية لقصف منطقتي الدالية وبيت عانا، ما دفع سكان ريف جبلة إلى الانتفاض للدفاع عن أقاربهم، فحملوا السلاح وهاجموا الحواجز الأمنية. استمرت الاشتباكات من ليلة الخميس حتى ظهر الجمعة، وسقط قتلى وجرحى من الجانبين، قبل أن يسود هدوء حذر.

 

متى بدأ الأهالي بالفرار؟

_أثناء العمليات العسكرية وما بعدها، بدأت موجات نزوح جماعي نحو المطار والقاعدة الروسية، حيث لجأ الناس على شكل دفعات. في الوقت ذاته، تصاعد التحشيد الطائفي في إدلب وحماة، حيث أُطلقت تهديدات علنية بالإبادة ضد العلويين في الساحل. وبالفعل، وصلت آلاف السيارات المسلحة وبدأت بتنفيذ عمليات قتل وتنكيل ضد الرجال والنساء والأطفال دون تمييز، في مجازر استمرت لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام. من استطاع الوصول إلى المطار والدخول إليه نجا بحياته، أما من بقي فقد قُتل أو أُحرقت ممتلكاته، كما نُهبت المحال التجارية، وسُرقت السيارات والمراكز، وأُضرمت النيران في الأراضي الزراعية. وحتى يومنا هذا، لا يزال ريف جبلة، القرداحة، واللاذقية تشهد حالات قتل مستمرة، رغم وعود الجهات المسيطرة بتأمين العائدين إلى منازلهم، لكن الواقع يُثبت أن الضباع لا أمان لها“. والعمشات والحمزات وعناصر أجنبية وسورية من الأمن العام كانوا يرتكبون كل الجرائم.

 

هل فقدت أحداً من أقربائك أو أصدقائك أثناء التصعيد الأخير؟

_أثناء دخولي أنا وأشخاص لقاعدة حميميم شاهدت أناس يسعفون أشخاصاً مصابيين من مناطق الساخنة، أُطلق عليهم رصاص متفجر ووضعهم كان صعباً. ونعم فقدت عدداً من أصدقائي أثناء الأحداث الأخيرة، منهم زميلي في العمل أسمه عمار ديب، وأيضاً زوج زميلتي رئيسة قسم الخزينة مالية في الجبلة، وأثنان من أولاد زميلنا من بيت صقر، وجيران كُثر لي من بستان الباشا والقبو ورميلة والعسالية وحميميم.

 

كيف هو وضع الأهالي في القواعد الروسية؟

_بالنسبة للوضع الأهالي، في البداية كانت هناك فوضى عارمة، فقد تفاجئ الروس بالكم الهائل من الناس الذي توافد إلى المطار والقاعدة طالبةً الحماية، الأعداد كانت بالآلاف، تم حشر الناس بصالات وبالساحات دون مفروشات ولا أغطية ولا ملابس، أي الروس تكركبوا أول يومين، حتى الحمامات لم تكن كافية وغير مؤهل لهذا العدد من الأهالي، الطعام الذي كان من مخصصات العسكريين الروس كانوا يطعمون منه للناس. بعد ذلك تم أستدراك كل ذلك، وبدأت تصل طائرات روسية محملة بالطعام والماء والأدوية وحليب وفوط أطفال، بالإضافة إلى أغطية وخيم وحمامات ماء ساخن وغسالات كبيرة لغسل ملابس الناس، كما أصبح تنظيم لدور الطعام والحمام وغيرذلك. كما أن هناك أشخاص يأتون إلى قرب سور المطار ومعهم أغراض شخصية من أجل تقديمها للناس، كملابس واسفنجات ودخان وطعام وخبز وأشياء أخرى. ووضع من هم خارج القاعدة ليس بأحسن من حالنا، فقد تم قطع الكهرباء والماء عنهم، والمواصلات متوقفة والمحلات مغلقة، نتيجة سرقة محتوياتها أو حرقها، والناس في منازلها ولا تذهب إلى وظائفها.

 

ما رأيك بالحكومة السورية الجديدة؟

_حكومة الجولاني أتت بهدف التخريب، وتزيد من معاناة الناس، من إلغاء الدعم لغلاء المحروقات للمواصلات للخبز والفصل التعسفي، وحالات الخطف والقتل والسرقة والأبتزاز والحقد الطائفي والأنتقام وليس الانتقال، وهذه حكومة اللون الواحد مرفوضة من المكون الكردي والدرزي والأسماعيلي والعلوي وبعض السنة المنفتحين والمسيحين، على العالم الذي ساهم بأسقاط الأسد ليعلم أنه جاء بشخص أسوء من بشار الأسد، الجولاني وفصائله الأجنبية والمحلية يشكلون خطراً على الوضع الداخلي السوري والإقليمي والدولي، ومن جاء بهم ويدعمهم هو بهدف تحقيق مأرب سياسية واقتصادية. فاليعلم العالم بأنهم زرعوا بذرة سرطان خبيثة بدأت تتفشى من أفغانستان وليبيا والسودان ومصر وعراق وصولاً لسوريا، لن يتوقف هذا الورم الخبيث حتى يلتهم العالم، يجب بتره وأيقافه بشكل جذري. وأريد إضافة شيء آخر، على الدول الأخرى أن تبعد سياستها عن شعوب الشرق الأوسط الطيبة، فهذه شعوب تستحق أن تعيش وتتطور. أوقفوا سياسات إرجاع هذه الشعوب الحية إلى مئات السنين عنكم، أوقفوا تقسيم العالم إلى دول أولى وثانية وثالثة ورابعة، والتوحش الرأسمالي الذي جعل الإنسان عبارة عن ألة فقط تتراجع معه القيم، ساعدوا البشرية لتقوم وتتطور وتبني سويةً، لنصل معاً لعالم إنساني محترم محب متسامح متعايش.