مقابلة – الكاتب والمختص في الشؤون السياسية، عمرو نصرالدين.

خريطة سوريا، 2025_2_6، مركز معلومات روج آفا
منذ عقود، فرض النظام البعثي في سوريا هيمنة ثقافية وأيديولوجية صارمة، ربط من خلالها هوية البلاد حصريًا بالقومية العربية، مما أدى إلى تهميش المكونات الثقافية والعرقية المتنوعة التي تشكّل النسيج السوري. ومع انطلاق الثورة السورية وما تبعها من حرب طويلة الأمد، انفتحت بعض الأبواب أمام الشعوب والمجتمعات للتعبير عن هويتها وتراثها بحرية أكبر. إلا أن هذه المكاسب لا تزال مهددة، مع تصاعد المخاوف من عودة أنظمة استبدادية بأشكال جديدة، وسط اضطرابات إقليمية وتجاذبات سياسية معقدة. في هذا السياق، يبرز المشهد في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، حيث يسعى أبناؤها للحفاظ على هويتهم وثقافتهم، مع التأكيد على وحدة الوطن السوري وضرورة بناء دولة قائمة على القانون والعدالة. وبالتزامن مع التطورات الأخيرة، من بينها إعلان تشكيل مجلس عسكري بقيادة ضباط منشقين عن النظام، تتبلور رؤية جديدة للدفاع عن حقوق ومصالح أبناء المحافظة ضمن إطار وطني يرفض الانقسامات الطائفية والتدخلات الخارجية.
حول هذه القضايا، أجرى مركز معلومات روج آفا مقابلة مع الكاتب والمختص في الشؤون السياسية، عمرو نصرالدين، الذي يسلط الضوء على التغيرات التي شهدتها سوريا، والتحديات التي تواجه مكوناتها المختلفة، والمخاوف من عودة الاستبداد بصيغ محدثة.
وفي حديثه، قال عمرو بأن “سوريا في ظل نظام البعث لم تكن دولة يمكن الحديث فيها بحرية عن ثقافة مجتمعاتها، حيث دأب النظام الأمني طوال حكمه على ربط كل الثقافات بالقومية العربية، وجعل التراث الشعبي وثقافة السوريين المتنوعة مدارَة من مخابراته، وبالمرور على أربعة عشر عاماً من الثورة، التي تخللتها حرب طاحنة أدت إلى سقوط آخر نظام عسكري في الشرق الأوسط، وجدت الشعوب الطامحة منفساً للتعبير عن ثقافتها وفلكلورها، وبعضها أصبح يتحدث بلغته الخاصة بأريحية تامة، فلم يعد للقمع مكان في سوريا، لكن الأحوال في منطقة تغلي وغير مستقرة أعادت الخوف لكثير من السوريين، وخاصة الأقليات، سواء العرقية أو الدينية، على ما كسبته من حرية وصلت إليها بشق الأنفس، فبدأت تتكتل مُبديةً خوفها من إعادة النظم الديكتاتورية بشكل آخر وأدوات جديدة، قد تكون هذه المخاوف مبالغاً فيها، لكنها تبقى تحت قاعدة “الاحتياط واجب“.
ويضيف “لقد صدحت وسائل الإعلام قبل يومين بخطاب لرئيس وزراء إسرائيل يقول مطالباً بعدم وجود قوات لهيئة تحرير الشام في جنوب سوريا، وخص بالذكر محافظة السويداء والمكون الدرزي، وتزامن ذلك مع تشكل مجلس عسكري بقيادة نخبة من الضباط المنشقين عن جيش النظام سابقاً وخبراء عسكريين وعدد كبير من شباب المحافظة، الذين يمتلكون وجهة نظر تبدو الأفضل لديهم وهي الحفاظ على مناطقهم، والقيام بحمايتها بأنفسهم، يأخذون على عاتقهم كل المشاكل الأمنية والخدمية التي تعاني منها المحافظة، والتي لم تهدأ طيلة أربعة عشر عاماً من عمر الحرب والثورة السورية.”
يقول عمرو: “بشكل عام لو تحدثنا عن المجتمع في السويداء، ذو الغالبية الدرزية، فإنه يجد نفسه إحدى مكونات المجتمع السوري، ويؤكد دائماً على وحدة هذا الوطن، والذي لا يصح إلا بقانون ودستور حضاري شأنه شأن أي دولة في هذا العالم، ولجعل كل ذلك ممكناً، أكد كبار ووجهاء هذه المحافظة على هذه النقاط المهمة في كل خطاب وفي كل مناسبة، ولكن بعد الاقتراب من المئة يوم على سقوط الأسد وفراره لم يجد أبناء المحافظة ما يصبون إليه في ما يجري من تطورات على المستوى السياسي والاقتصادي في الوطن، شأنهم شأن غالبية المكونات السورية، وأبرز ما يمكن الحديث عنه هو الحفاظ على الثقافة التي تميز المجتمعات، فلكل منطقة في العالم كما نعلم ثقافة تحصلت عليها عبر تراكم معرفي على مر الأزمان، وهي تفخر بها وتعزز وجودها، فثقافة الناس وتراثهم هو وجودهم وهويتهم الوطنية، وهذا شعور أكثر ما يكون توجهاً مؤدلجاً.”
ولفت في هذا السياق أيضاً، بأن “الأصح نظرياً وعملياً هو احترام الثقافات. يؤكد دائماً أبناء السويداء على احترام ثقافات الأخرين واحترام أديانهم وأفكارهم، وبهذا المبدأ النبيل يمكن خلق البيئة الصحيحة للتعايش والتأخي، وجعل الاختلاف نعمة علينا عبر الاحترام المتبادل، فمن حق كل شعب في العالم وفي سورية خاصة أن يعيش كما يريد، وليس كما نريد، فكل الخوف هو العودة بنا إلى الحلقة الأولى من خلال الأفكار الشمولية التي ستعيدنا لحرب جديدة لا مفر منها.”
ينظر أبناء الجبل لسورية نظرة مشرقة كدولة متنوعة الأطياف، ينظرون لكل مكون فيها بخصوصية، فعلى سببل الذكر ينظرون لتجربة شرق الفرات بعين الاحترام، لشعب قاوم واستطاع حماية نفسه بتنوعه من كورد وعرب وكلدان وأشور…الخ ومزيج من العشائر، كما حافظوا على السلم الأهلي والتأكيد على وحدة سورية وعدم الانفصال عنها، فالإدارة الذاتية في شرق الفرات يٌنظر لها بعين الاحترام، ذلك لسببين وهما محاربة المتطرفين ودحرهم، وعدم رضخوهم لأي ضغوط تركية التي تحاول بسط سلطتها واحتلال أجزاء أخرى من سورية، كما اتخذوا موقف واضح من نظام الأسد طيلة الحرب وحتى السقوط. وهكذا فأن التطلعات لأبناء الجبل (السويداء) في الاستقرار والسلام هي ضمن حدود سورية واحترام مكوناتها، ويُفرض على العالم احترام سورية َوسيادتها وعدم التدخل بشؤنها.”
بالعودة إلى إعلان تشكيل المجلس العسكري مؤخراً، يشير الكاتب السياسي عمرو نصرالدين إلى أمرين مهمين لا بد من الإشارة إليهما، وهما: أولاً، أن تشكيل هذا المجلس لا يُعد كـ رد فعل سريع بسبب حدث أو أحداث وقتية، بل هو نتاج جمع بين فئات كثيرة من الشعب في جبل السويداء، وذلك بعكس بعض الأسماء في فصائل أو تشكيلات أخرى. كما حرص على اتخاذ موقف وطني تجاه الوطن الأم، سوريا. ثانياً، أن انطلاقه يهدف إلى إنهاء حالة الفوضى العارمة وكثرة الفصائل في سوريا، لا سيما تلك التي تحمل أسماء طائفية أو دينية، أو التي لا تمتلك هوية أو انتماءً واضحاً، فبدلاً من التبعية لدول خارجية، بسبب ديني أو قومي أو حزبي، فإن الأفضل هو الجهر بأفكارنا وأدياننا ومعتقداتنا وقومياتنا وتنوعنا، فهذا وحده طريق الاستقرار لبلد متنوع وغني بالأعراق والقوميات والأديان.
هذا هو المراد والهدف الذي يسعى إليه السوريون في كل أرجاء سوريا: وحدة الوطن، تأخي شعبه، وصون كرامة مواطنيه.
عمرو نصرالدين، الكاتب والمختص في الشؤون السياسية.