أفين سويد : نحن بحاجة إلى الحوار، حتى يتسنى بناء مستقبل أفضل.

,

بعد التطورات والأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا عموماً ومناطق شمال وشرق سوريا خصوصاً أجرى مركز معلومات روجافا مقابلة مع  أفين سويد، الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، تحدثت فيه عن التطورات والمسارات المحتملة في البلاد، وسبل الحل، والهجمات التركية على الإدارة الذاتية الديمقراطية، وهيئة تحرير الشام، ونشاط داعش في جميع أنحاء سوريا، خلال الأسبوعين الماضيين.



_هل كانت أحداث الأسبوعين الماضيين بمثابة صدمة؟

أفين سويد: خلال14 عامًا كانت رغبة الشعب السوري في أن يعيش حياة حرة وكريمة على الأرض السورية، وفي مواجهة القمع والعنف وكل فظائع نظام البعث، مع تشريد مئات الآلاف من الناس، والقتل، والمفقودينالخ، كانت داخل سوريا روح راغبة في التغيير خلال هذه السنوات الماضية. ومع ذلك، لم يتحقق ذلك. والأسباب واضحة. كانت هناك حماية دولية لنظام الأسد. ثم تحققت أحلام الكثيرين ممن انتظروا 14 عاماً في أسبوعين فقط.

 

_هل من الصحيح أن نقول أن هذا كله حدث فقط بإرادة وقوة الشعب السوري؟

في رأيي، لا. فظهور بعض القوى الجهادية الراديكالية في مدينة حلب كان صدمة لأنها مدينة سورية متعددة الشعوب والمعتقدات. ظهور قوة راديكالية في هذه المدن يصدمك. إنها تجعلك تفكر في المستقبل.


_لا تزال البلاد منقسمة بين القوى المختلفة، هل تتوقعين المزيد من العنف والصراع في الفترة المقبلة؟
في الحقيقة أننا كأبناء شمال وشرق سوريا وكإدارة ذاتية بذلنا الكثير من الجهد لمنع تقسيم سوريا. أردنا الحوار مع جميع القوى، للحفاظ على وحدة سوريا، والحفاظ على حدودها ومدنها. ولكن للأسف، تم احتلال العديد من المدن من قبل الدولة التركية والمرتزقة التابعين لها، بدءًا من عام 2016 مع أعزاز وجرابلس ثم عفرين وسري كانيه وتل ابيص ومنطقة شهباء. هناك العديد من القوى على الساحة السورية حالياً. نحن نعتقد أنه إذا لم تكن هناك وحدة في سوريا، ستكون هناك مشاكل في المستقبل. داخل شمال وشرق سوريا، نحن (مع كل الشعوب التي تعيش هنا) نبني الوحدة. ونحن أردنا بناء مشروع الإدارة الذاتية من خلال الوحدة. وعلى هذا الأساس، فإن الإدارة الذاتية لا تزال قائمة حتى اليوم وتم الحفاظ عليها.

 

_منذ عام 2011 كانت هناك العديد من المبادرات غير الناجحة لحل الأزمة السورية. أما الآن، تغيرت الظروف كثيراً. هناك الآن رؤى متنافسة لسوريا المستقبل. ما هي الاحتمالات التي ترينها؟
تم عقد العديد من المنتديات والاجتماعات لحل الوضع في سوريا. ولم يتم إشراك ممثلي الإدارة الذاتية فيها، لم يتم إشراك ممثلي الخمسة ملايين شخص الذين يعيشون في شمال شرق سوريا في تلك المناقشات، ولم يتم إشراك العديد من المجموعات الديمقراطية الأخرى، لذا ظلت المناقشات دائمًا من جانب واحد. أرادت القوى داخل سوريا حل الأزمة السورية بهذه الطريقة. ولهذا السبب لم ينجحوا في ذلك. والحقيقة الآن هي أن هناك واقعًا جديدًا في سوريا البعض يسميه ثورة، والبعض يسميه تغييرًا، والبعض يسميه فوضى. إذا لم يجتمع الشعب السوري، من جميع الأطراف، وجلسوا حول طاولة واحدة وناقشوا المستقبل، فإن مستقبل سوريا سيكون دائماً في حالة فوضى، بل سيكون أكثر من فوضى.

يجب ألا ننسى التضحيات التي قُدمت من جميع الأطراف من أجل حياة حرة وكريمة. فإذا عاد الوضع في سوريا إلى ما كان عليه في 2011 أو أسوأ من ذلك، فما فائدة كل هذا الجهد والعمل والتضحية؟ لهذا السبب نحن بحاجة إلى أن نرفع هذه المسؤولية الآن في سوريا، وأن لا ننأى بأنفسنا عن أي طرف آخر كما فعل نظام البعث، نحن بحاجة إلى الحوار.، حتى يمكن بناء مستقبل أفضل في سوريا.

 

 

_هل تتوقعون الآن أن يتم إشراككم في المفاوضات الرسمية حول التسوية في سوريا؟ وهل ترون دوراً للدول الإقليمية أو الغربية في هذه المفاوضات؟

بعيداً عن مجرد توقع أن يتم إشراكنا في هذه الحوارات، فإن ذلك أمر ضروري؛ لأنه، كما قلت كل الحوارات التي جرت في السابق كانت بلا معنى لأنها لم تشمل كل سوريا، وخاصةً شمال وشرق سوريا. بحكم الأمر الواقع على الأرض، 5 ملايين شخص يتمتعون بحكم ذاتي وتنظيم ذاتي، يجب أن تكون آراء هذه المنطقة في هذا النقاش. فيما يتعلق بالدول العربية التي لها دور ومهمة أكبر داخل سوريا، فهناك حاجة إلى أن تكون ضامنة أو حاكمة للحوار. القوى التي كان لها دور فعلي في سوريا حتى الآن تريد بالطبع أن تكون جزءًا من النقاش، لكن في رأيي يجب أن تكون هذه المناقشات حول طاولة السوريين، السوريين فقط، ومع بعض المساعدة من الدول العربية أو الدول الغربية أو تحت مظلة الأمم المتحدة، فإن هذه الحوارات ستسير بشكل أفضل.

 

_أنتِ تشجعين نموذج الحوكمة اللامركزية في شمال شرق سوريا. هل ترين أن هناك رغبة في هذا النوع من النماذج على نطاق أوسع؟

يمكن للإدارة الذاتية كنموذج للامركزية أن تكون حلاً لسوريا، بغنى شعوبها ومعتقداتها وتنوعها. توجد مناطق سورية [ذات نموذج مماثل] مثل السويداء والساحل. وهي في معظمها علوية وسريانية ومسيحية. في شمال شرق سوريا، تقدم هذا النموذج بشكل أكبر. نعتقد أنه نموذج جيد. فيما يتعلق بمدى قبوله أو عدم قبوله هذا يعتمد على الحوارات التي ستجرى. لا يوجد نقاش حول هذا الأمر في الوقت الحالي، لذلك لا يمكنني إعطاء إجابة واضحة. نحن لا نعرف موقف أولئك الموجودين حالياً في دمشق. سيظهر موقفهم من خلال ممارستهم المستقبلية.


_ما نوع الإدارة المدنية التي تتوقعونها من هيئة تحرير الشام؟ فقد أدلى الجولاني بتصريحات داعمة لحقوق الأقليات والحفاظ على التنوع في سوريا. وهو يعلن رفض الجهاد العالمي، ويتبع استراتيجية وطنية بدلاً من ذلك. كيف ترين ذلك؟

نحن نتطلع إلى الممارسة والتنفيذ أكثر من مجرد الخطابات. إن ما مرت به سوريا يمكن أن يكون درساً لنا جميعاً، يمكن أن نستفيد منه جميعاً في بناء سوريا أفضل. سوريا التي يستطيع كل فرد فيها أن يعيش بعقيدته وجنسيته. ننتظر الممارسة العملية. منذ البداية مدت الإدارة الذاتية يدها للحل السياسي في سوريا ودعت دائماً إلى الحوار السوري السوري، وبنت نموذجاً ديمقراطياً، وبذلت جهوداً لتطوير الخدمات الجيدة وغيرها من الأمور. نحن نتعامل مع المستقبل بمسؤولية ونريد أن نلعب دوراً أكبر في بناء سوريا الجديدة.

 


_لقد انخرطت العديد من القوى الأجنبية في الحرب الأهلية السورية. كيف ترون الآن موقف روسيا وإيران وتركيا وأمريكا؟ هناك الكثير ممن يطالبون بخروج جميع القوات الأجنبية من البلاد. ما هو موقفكم هنا؟
بعض القوى الآن يدها قوية داخل سوريا، والبعض الآخر يدها ضعيفة مثل إيران وروسيا. عندما ضعفت القوى التي كانت تحكم سوريا إلى جانب الأسد أو بالأحرى كانت تحكم أكثر من الأسدانهار النظام في دمشق نفسه، لأن أيدي شركائه تقلصت أو قُطعت. المستفيد من هذا التغيير على الأرض هو بالطبع تركيا. فقد دخلت تركيا ومرتزقتها إلى الشهباء وتل رفعت، وشنت هجمات عنيفة على منطقة شمال وشرق سوريا. تريد تركيا الاستفادة من هذه التغييرات وإعادة تصميم خارطة الطريق السورية. وفيما يتعلق بخروج القوات الأجنبية من سوريا، هناك العديد من القوات التي تقول إنه عندما تهدأ الأوضاع، أو عندما يتم التوصل إلى حل سياسي، لن تكون هناك حاجة لوجودها على الأرض السورية. فالقرارات المتعلقة ببقاء أو خروج هذه القوات يجب أن تتخذها سوريا ككل، وليس جزء منها فقط. وعلى هذا الأساس، فإننا كإدارة ذاتية سنشارك في اتخاذ القرار في سورية ككل.

 

_وفي الوقت الحالي في المناطق ذات الأغلبية العربية في شمال شرق سوريا يفضل الكثيرون الاصطفاف إلى جانب قوات المعارضة بعد رحيل الأسد. وقد بايعت بعض القبائل والميليشيات العربية في دير الزور غرفة العمليات التي تقودها هيئة تحرير الشام. كيف ترين هذا الوضع؟

هذا ليس بالأمر الجديد، فهناك جهات أو قوى فاعلة أو قوى تعمل على كامل الجغرافيا السورية. ولنتذكر المشاكل التي ظهرت منذ فترة في دير الزور حيث تورطت أيادي نظام البعث وشركائهم الإيرانيين. الدولة التركية في الوقت نفسه تهاجم منطقتنا. هناك دائماً مساعٍ من جهات عديدة لإسقاط الإدارة الذاتية من الخارج أو الداخل، ومهاجمتها أو إلحاق الضرر بها، والاستفادة من هذه المشاكل. برأيي الذين يمثلون تلك المناطق، كأفراد أو عشائر، لهم القول الفصل في هذه المواضيع. لقد تحررت المنطقة من داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية بإيعاز من وحدات حماية الشعببأيدي أبناء هذه المنطقةومن أجل حماية هذه المنطقة وتحريرها من هجمات وفوضى جديدة ناقشنا مع شيوخ عشائر المنطقة. وناقشنا الأخطار المحدقة بالمنطقة والألاعيب التي تُحاك ضد المنطقة، وأيضاً النقاش مع المقاطعات وإدارتها، من أجل حماية الإدارة الذاتية وإرادتها. نحن نبذل جهدنا لكي يتم حل الفوضى الحاصلة من خلال النقاش والاتفاق.

 

 

_ما هو الوضع في منبج الآن، بعد انسحاب قوات سوريا الديمقراطية؟ هل بقي المدنيون في المدينة؟

لدينا الكثير من الخبرة مع الدولة التركية، ففي اﻷيام القليلة الماضية انتهكت (تركيا) حقوق اﻹنسان كثيراً، من حيث اختطاف وقتل المدنيين، بما في ذلك ثلاث نساء من زنوبيا (اتحاد نسائي عربي)، كما تم اختطاف نساء أخريات من الزنوبية، ولا يزال مصيرهن مجهولاً. ورأينا كيف دخل المرتزقة إلى المستشفى وهاجموا الجرحى في الداخل. ولا ننسى الهجمات على عين عيسى، حيث قُتل 12 شخصًا من عائلة واحدة، ثم 8 أشخاص من عائلة أخرى. استهدفت هذه الهجمات المدنيين بطريقة متعمدة للغاية. كانت المفاوضات في منبج من أجل حماية المدنيين، لأن أهل منبج جميعهم داخل المدينة، باستثناء أولئك الذين خرجوا بالصدفة من المدينة. ولكن هناك الكثير من الخوف داخل منازل المدينة. لقد دخلوا [الجيش الوطني السوري] إلى المنازل ونهبوا وسرقوا وهددوا وقتلوا الناس كل هذا حدث داخل منبج. كما تلقت الرئاسة المشتركة لمجلس منبج تهديدات هاتفية مباشرة من المرتزقة. وهما في الرقة الآن، لكنهما كانا خائفين للغاية. استهداف المدنيين هو أسلوب تركيا.

 

_وماذا عن وضع داعش الحالي؟

هذا موضوع لا يرتبط بسوريا فقط. فمنذ اليوم الأول كانت هناك قوى كثيرة لها يد في سوريا، ولهذا السبب كان الوضع في سوريا بهذه الفوضى واستمر لسنوات عديدة مع الكثير من الضحايا. ثم أصبحت بعد ذلك ميدانًا لإرهاب داعش. واستخدمت الدولة التركية تنظيم داعش داخل مناطقنا حتى يتم القضاء على الإدارة الذاتية، وقتل أبناء هذه المنطقة. ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية هو وجود داعش ضمن القوات الموجودة اليوم في حلب ودمشق واللاذقية. يتم رفع علم داعش بشكل علني. وللأسف، فإن الطرق التي تتبعها الدولة التركية في إعادة بث الحياة في داعش ستعيدهم إلينا وإلى العالم أجمع. بعد كل هذا الجهد والتضحيات والأرواح التي بُذلت لإنقاذ العالم من إرهاب داعش. يجب أن يرى الجميع أن هذا خطر. آمل أن يؤخذ هذا الخطر على محمل الجد وأن يتخذ الناس موقفاً على هذا الأساس، وأن تتنبه سوريا لهذا الموضوع حتى لا نمر بمآسٍ جديدة.