شرح: قانون العفو رقم (10)
في 17 يوليو 2024، أصدر مجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم لشمال وشرق سوريا قانون عفو عام رقم /10/، استجابةً لمطالب شيوخ ووجهاء العشائر خلال ملتقى الوحدة الوطنية للعشائر والمكونات السورية الثاني، الذي نُظم في مدينة الحسكة بحضور أكثر من 5000 شخصية من جميع أنحاء سوريا.
جاء العفو استجابةً لمطالب شيوخ ووجهاء العشائر لتعزيز التماسك الاجتماعي والتهدئة في ظل الوضع الأمني والسياسي المتوتر في المنطقة، مما أدى إلى إطلاق سراح مئات المساجين من سجون شمال وشرق سوريا.
إلّا أن تفاصيل قانون العفو وخلفيته ومعاييره لم تكن واضحة، وأيضاً الدعم النفسي والاجتماعي وإعادة الدمج، هل ستكون هناك خطط بهذا الخصوص أو لا بعد الإفراج عنهم؟ وماذا بشأن داعش؟
بصدد هذا، أجرى مركز معلومات روج آفا (RIC) مقابلات مع كل من عطية يوسف عضوة لجنة إدارة النيابات في مجلس العدالة الاجتماعية لشمال وشرق سوريا، وعلي رحمون نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، وفريد عطي الرئاسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.
خلفية اتخاذ القرار:
تقول عطية يوسف “أن مستند العفو في مادة 93 البند 14 في العقد الاجتماعي ينص على أن من حق الإدارة الذاتية إقرار العفو ومنحه. في البداية تم عقد اجتماع بناءً على مطالب الوجهاء، وكان الاجتماع قد عُقد في شهر أيار، خلال الاجتماع تم طلب بإقرار عفو عن الجرائم المرتكبة بحق الإدارة الذاتية، وتم إعطاء وعود بالعمل على العفو حسب الإمكانيات. وبعد الاجتماع طلب مجلس الشعوب مسودة للعفو من مجلس العدالة، وبعد الانتهاء من كتابة المسودة تم إرسالها لمجلس الشعوب لتتم الموافقة عليها “.
ووفقًا لعلي رحمون، نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، جاء قانون العفو استجابةً لحالة عدم الاستقرار في المنطقة الناتجة عن العدوان التركي المستمر والتدخلات الإقليمية الأخرى، مثل التدخل السوري والإيراني في أحداث دير الزور. هذه الأحداث خلقت نوعًا من الانقسام المجتمعي ومحاولة لتحويل الصراع في مناطق الإدارة الذاتية إلى صراع قبائلي وعشائري، بل وحتى صراع عربي-كردي، لكنها باءت بالفشل. ومع ذلك، أدت إلى حالة من الإرباك في المنطقة، مما دفع الإدارة الذاتية إلى اتخاذ إجراءات تعزز الوضع الداخلي وتمنع تفاقم الانقسامات. وكان قانون العفو واحدًا من هذه الإجراءات التي تهدف إلى تمتين العلاقات الاجتماعية والنسيج الاجتماعي بين مكونات المنطقة.
كما أوضح رحمون أن قرار العفو تم اتخاذه خلال اجتماع ثلاثي ضم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، والإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا. هذا القرار جاء بعد دراسة دقيقة للمعايير التي سيتم اعتمادها لتحديد المساجين المستفيدين من العفو.
تفاصيل التنفيذ ومعايير العفو:
فريد عطي، الرئاسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية، أوضح أن “مجلس الشعوب الديمقراطي أصدر قانون العفو بناءً على أحكام العقد الاجتماعي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا. وهذا القانون هو القانون رقم /10/ لعام 2024م وليس قراراً، ويستمد شرعيته من العقد الاجتماعي. وقد تم الاستناد إلى النصوص القانونية المذكورة في قانون مكافحة الإرهاب رقم (7) لعام 2021م وتعديلاته الصادرة عن المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا آنذاك، وأيضاً إلى قانون العقوبات رقم (2) لعام 2023م الصادر عن المجلس العام للإدارة الذاتية. الذين استفادوا من هذا العفو يظلون مسؤولين أمام المتضررين من أفعالهم الإجرامية تجاه المواطنين، وفقاً للمادة رقم /4/ من قانون العفو، التي نصت على ما يلي: (إن العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، وللمتضرر في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام دواوين العدالة)”.
وتعهد الشيوخ والوجهاء بالاهتمام بالمفرج عنهم ومراقبة سلوكهم، خاصةً أولئك الذين ينتمون مباشرةً إلى عشائرهم. كما أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، عبر هيئاتها المعنية مثل الأمن الداخلي والمجالس المحلية، بدءًا من الكومين، ستقوم بتسجيل أسماء المفرج عنهم وتدوين قيود كل شخص أُفرج عنه بموجب قانون العفو، وتحديد مكان إقامته ضمن الكومين، ومراقبة تحركاته وتأهيلهم بالتعاون مع جميع المؤسسات المعنية والمنظمات المحلية والدولية والحركات النسائية. وأكد رحمون على ذلك، حيث قال: “حقيقةً، كانت هناك إجراءات تم البحث فيها قبل إصدار العفو وإطلاق سراح الموقوفين. فقد كانت هناك وعود كثيرة بعد مقابلة الأهالي والوجهاء الاجتماعيين والعشائر، وأيضًا كان هناك دور للمنظمات الإنسانية من خلال وضع خطط لمساعدة هؤلاء من أجل ألا يكونوا في مسار غير وطني في المنطقة.”
“لا يشمل القانون الجرائم الجنائية الخطيرة، فقط يشمل الجرائم المرتكبة من قِبل السوريين قبل تاريخ 17/7/2024م كما ورد في القانون رقم /10/ لعام 2024م“
فريد عطي الرئاسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا .
الدعم النفسي والاجتماعي وإعادة الدمج:
تسعى الإدارة الذاتية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والشيوخ العشائر، إلى دعم المساجين المفرج عنهم من خلال برامج إعادة التأهيل والتدريب النفسي والاجتماعي لضمان اندماجهم في المجتمع. وقد أوضح علي رحمون أن هناك تواصلًا مع منظمات المجتمع المدني لتقديم الرعاية النفسية والإرشادات اللازمة لإعادة دمج المفرج عنهم في المجتمع. كما كانت هناك وعود من العشائر ورموز عشائرية بالمساهمة في هذا الجهد ليكونوا مواطنين ذوي دور في بناء بلدهم. وأشار فريد عطي إلى أن “هناك دعمًا مقدمًا من قِبل الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا من خلال المؤسسات الاجتماعية المعنية، مثل هيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين وهيئة المرأة والمنظمات الحقوقية وفتح مراكز تأهيل وتدريب”.
وقد كشفت مصادر إعلامية عن إطلاق سراح دفعات من المعتقلين في سجون تديرها الإدارة الذاتية، وذلك بموجب “قانون العفو العام” الصادر عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا. وقد تداول ناشطون مشاهد من تجمع الأهالي بانتظار الإفراج عن أبنائهم من سجون ومراكز احتجاز عدة في الرقة والحسكة ودير الزور ومنبج، وكان أبرزها سجن “غويران” المركزي وسجن علايا .
“هذا ليس أول قانون عفو يُطبق في إقليم شمال وشرق سوريا، المرة الأولى كان على مستوى الجزيرة، وفي المرة الثانية بعام 2020 كان على مستوى شمال وشرق سوريا، وهذه هي المرة الثالثة بعام 2024″.
عطية يوسف عضوة لجنة إدارة النيابات في مجلس العدالة الاجتماعية لشمال وشرق سوريا.
المراقبة والمستقبل:
بالنسبة لمراقبة المساجين بعد الإفراج عنهم، أكد فريد عطي أن عملية مراقبة هؤلاء المفرج عنهم أو المستفيدين من قانون العفو ستتم من قِبل المجالس التي ينتمون إليها ضمن الكومين والمجلس؛ وأيضًا ستتم مراقبتهم من قِبل المؤسسات المعنية التابعة لقوى الأمن الداخلي. وفيما يتعلق بالمستقبل، أشار عطي إلى أن الإدارة الذاتية تعمل جاهدة على تحقيق العدالة الاجتماعية في جميع مناطقها ومؤسساتها ومجالسها ومفاصلها بما فيها السجون، وذلك وفق دراسات اجتماعية دقيقة على مبدأ نص عليه العقد الاجتماعي الجديد، وهو “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم”. ومن هذا المنطلق، تُصدر الإدارة الذاتية عفوًا عامًا بين الفينة والأخرى لمن تورطوا في ارتكاب جرائم لا ترقى إلى مستوى إراقة دماء الأبرياء أو زعزعة الأمن والاستقرار.
“القرار لقى ارتياحاً عموماً من قبل المنظمات الدولية القانونية والمعنية بحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى لاقى ارتياحاً كبيراً وحقيقياً من قبل العشائر والأهالي، وتم ملاحظة ذلك من خلال استقبال المساجين“
علي رحمون نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد).
قضية عناصر داعش:
أكد فريد عطي أن عناصر داعش الأجانب والعرب، وخاصةً المنحدرين من العراق، لم يشملهم هذا العفو. ولا صحة لما تداولته بعض الصفحات الإعلامية، والذين تم الإفراج عنهم بقانون العفو هم سوريون وفق المادة رقم /1/ من قانون العفو رقم /10/ لعام 2024م .
ومن جانبه يشير رحمون :” الإدارة الذاتية لا تزال تطالب بإنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأن محاكمتهم (عناصر داعش) أو العفو عنهم حتى الآن”.
وتضيف يوسف “هناك تقريباً 60 جنسية موجودة في سجون الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، طلبنا من دولهم إقامة محاكم لكنهم لم يأبهوا. هؤلاء الأشخاص وإلى الآن لم تتم محاكمتهم، لذلك لا يجوز أن يشملهم العفو، فـ الوحيدين الذين شملهم العفو هم المواطنين السوريين، ولكن بشرط الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء ولم يكونوا من الخلايا أو إدارتها، وكان هناك شرط آخر وهو حسن السلوك، حيث كان يتم إرسال كتاب من إدارة السجن بحسن سلوك الأشخاص الذين سيشملهم العفو”.
الخاتمة:
يعكس قانون العفو الصادر عن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا جهودًا متواصلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة، مع التزامها بمعايير حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، فإن التحديات المتعلقة بدمج المساجين المفرج عنهم ومراقبتهم تظل قائمة، وهو ما يتطلب تعاونًا مستمرًا بين الإدارة الذاتية ومنظمات المجتمع المدني والعشائر.
وتضمنت مواد قانون العفو الـ /6/، وفق ما نشره موقع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ما يلي:
“المادة رقم / 1 / : يُمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية والجرائم الواقعة على أمن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، المرتكبة من قبل السوريين قبل17/7/2024، والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم /7/ لعام 2021 وتعديلاته، وقانون العقوبات العام رقم / 2 / لعام 2023م.
المادة رقم / 2 / :
أ- العفو عن نصف عقوبة السجن المؤقت.
ب – تستبدل عقوبة السجن المؤبد بالسجن المؤقت مدة خمسة عشر عاماً.
ج – عن كامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمحكوم المصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء، يجعله بحاجة إلى معونة غيره لقضاء حاجاته الشخصية.
د – عن كامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمحكوم الذي أتم الخامسة والسبعين من العمر بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة رقم / 3 / :
يستثنى من شمول أحكام هذا القانون.
أ- القادة والأمراء والمدربون في التنظيمات الإرهابية، وأعضاء التنظيمات الإرهابية المشاركون في الأعمال القتالية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وأعمال التفجيرات والجرائم التي أفضت إلى موت إنسان، وبقية المحكومين من مرتكبي الجرائم الإرهابية الذين لم يثبت صلاحهم بكتاب من إدارة مركز الإصلاح والتأهيل.
ب – مرتكبو الجرائم المنصوص عليها في المواد رقم / ١٤٧،١٤٤،١٣٣،١٣٢،۱۳۱ / من قانون العقوبات العام رقم / ٢ / لعام ٢٠٢٣ م.
ج – المحكومون المتوارون عن الأنظار والفارون من وجه العدالة، إلا إذا سلّموا أنفسهم خلال ستين يوماً من تاريخ نفاذ هذا القانون، إذا كانوا ضمن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وخلال تسعين يوماً بالنسبة للموجودين خارجها.
المادة رقم / 4 / :
هذا العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، وللمتضرر في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام دواوين العدالة.
المادة رقم / 5 / :
أ – يشكل مجلس العدالة الاجتماعية لجنة طبية لفحص المستفيدين من أحكام الفقرة (ج) من المادة رقم / ٢ / من هذا القانون، بناءً على طلب يتقدم به المستفيد أو وكيله القانوني، أو إدارة مركز التأهيل والإصلاح، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- تصدر تقارير اللجان الطبية بقرار من مجلس العدالة الاجتماعية لإقليم شمال وشرق سوريا.
المادة رقم /6/ :
يُعدّ هذا القانون نافذاً من تاريخ صدوره من مجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”.