شرح: دير الزور

,

 أبو خولة، قائد مجلس دير الزور العسكري.

 

في 27 آب/أغسطس، ومع ظهور عملية تعزيز الأمنفي منطقة دير الزور، والتي تفيد التقارير بأنها تستهدف خلايا داعش النائمة وتجار المخدرات، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل المشهور شعبياً باسم أبو خولة.

وقالت قوات سوريا الديمقراطية: “بعد فترة من الرصد والنظر في العديد من البلاغات والشكاوى المقدمة من الأهالي، وبناءً على مذكرة اعتقال صادرة عن النيابة العامة في شمال وشرق سوريا على خلفية تورطه في جرائم وانتهاكات متعددة، منها التواصل والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة، و ارتكاب جرائم جنائية وتجارة المخدرات، سوء إدارة الوضع الأمني، دوره السلبي في زيادة نشاط خلايا داعش واستغلال منصبه لمصالح شخصية وعائلية تخالف الأنظمة الداخلية لقوات سوريا الديمقراطية، قرر مجلس دير الزور العسكري بموافقة المجلس العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، إعفاء قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل من منصبه مع أربعة أفراد آخرين ضمن المجلس، متورطين بشكل مباشر في هذه الجرائم والانتهاكات.

ويتبع مجلس دير الزور العسكري لقيادة قوات سوريا الديمقراطية، لكن الصراعات كانت محتدمة لفترة طويلة بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية ومجموعة فرعية يقودها أبو خولة من مجلس دير الزور العسكري، حيث يعد أبو خولة شخصية مهمة ومثيرة للجدل في دير الزور منذ دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى المنطقة، ففي الأيام الأولى للحرب الأهلية السورية، كان أبو خولة عضوًا في الجيش السوري الحر، وعندما جاءت داعش، انضم إليهم لفترة وجيزة ، لكنه سرعان ما فر إلى تركيا، وعندما عاد انضم إلى قوات سوريا الديمقراطية، حيث تأسس مجلس دير الزور العسكري في أواخر عام 2016، وتم تعيين أبو خولة قائداً من قبل قوات سوريا الديمقراطية. كما تم آنذاك إنشاء المجالس العسكرية في جميع المدن ذات الأغلبية العربية بعد تحريرها من داعش، حيث يشغل أعلى الرتب ضباط من كل مدينة من ذوي الخبرة في القتال مع قوات سوريا الديمقراطية. وأبو خولة من قبيلة البكير التابعة لتحالف العكيدات. وانتهى الأمر بقبيلته بدعم داعش عندما وصلوا إلى دير الزور.

 

كما إن أبو خولة هو شخصية مؤثرة داخل قبيلته، لدرجة أنه على الرغم من أن عائلته ليست من نسب المشيخة في البكير، إلا أنه تمكن من تنصيب نفسه شيخًا، وعلى مدى سنوات خلال قيادته لمجلس دير الزور العسكري، قام ببناء ميليشيا تتألف من أقاربه وأصدقائه. ويعتبر من قبل الكثير من أهالي دير الزور بأنه حاكم فاسد ووحشي، حيث إن هناك تم تُوجيه اتهامات عديدة إليه كالاغتصاب والنهب والعنف ضد المدنيين من قبل قواته، وفي الواقع، كانت هناك في السابق احتجاجات عديدة في دير الزور لإزالة أبو خولة من زعامة المجلس، و تعود التوترات بين أبو خولة وقيادة قوات سوريا الديمقراطية في المقام الأول إلى استياء الأخيرة من مساعي أبو خولة لاستخدام مجلس دير الزور العسكري ومنصبه القيادي لمصالحه الخاصة. ففي ديسمبر/كانون الأول 2022، اندلعت احتجاجات كبيرة ضد أبو خولة في 15 بلدة يسكنها معظمهم من قبيلة البكارة، بعد أن قام جلال، شقيق قائد المجلس، وحارسه الشخصي بتعذيب وقتل امرأتين، نجلاء وازدهار، كحركة انتقام من ابن عمهما، وأعلن بعض أبناء قبيلة البكارة أنهم يريدون مجلساً عسكرياً خاصاً بهم وقاموا أيضاً بمظاهرات بخصوص هذا الأمر.

 

عندما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن إطلاق “عملية تعزيز الآمن” في دير الزور، أرسلت تعزيزات كبيرة من مناطق أخرى للمشاركة في العملية، وفي هذه الأثناء، وعندما انتشرت أخبار اعتقال قادة مجلس دير الزور العسكري، رد أتباع أبو خولة بدعوة أبناء عشيرتهم إلى اعتقال قادة قوات سوريا الديمقراطية ومهاجمة مقراتهم في دير الزور، حيث بدأ العديد من أفراد قبيلة البكير، بقيادة أدهم الخبيل، بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، لتشهد الأيام الأربعة التالية اندلاع اشتباكات تركزت في البداية على طول خط الخابور (سلسلة القرى والبلدات على طول نهر الخابور)، مع مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية من قبل رجال القبائل المؤيدين لأبو خولة أو الممتعضين من قيادة قوات سوريا الديمقراطية. وانتشرت هذه العمليات في ريف دير الزور الشرقي والشمالي. وكانت أعمال العنف شديدة خاصةً في مدينتي العزبة والحسين.

 

إن قاعدة الدعم الرئيسية لأبو خولة هي قبيلة البكير، لكن هناك مناطق تابعة لقبائل أخرى قد شهدت مظاهرات عنيفة ، على سبيل المثال أبو حمام والصبحة والربيدة، التي تهيمن عليها قبيلة الشعيطات. وفي 29 من الشهر الجاري، طالب وجهاء آل بكر قوات سوريا الديمقراطية والتحالف بالإفراج عن قادة المجلس المعتقلين، محذرين من أن جميع قوات سوريا الديمقراطية ستصبح هدفاً لمقاتلي العشائر. كما دعوا كافة عشائر دير الزور للوقوف معهم، وخاصة بقية فروع العكيدات. وقد لاقى هذا البيان استحساناً من قبل أولئك الذين لديهم أفكار معادية لقوات سوريا الديمقراطية، مثل الحكومة السورية وعملائها الذين يبحثون عن فرصة لوضع موطئ قدم في دير الزور، ويسعون إلى التغلب على قوات سوريا الديمقراطية وزعزعة الاستقرار، واستغلالاً لحالة الاضطراب أصدرت عدة مجموعات من أبناء العشائر بيانات ضد قيادة قوات سوريا الديمقراطية ووجودها في دير الزور، وشنت هجمات جديدة على حواجز قوات سوريا الديمقراطية، وفي الوقت نفسه سعت الجهات الفاعلة داخل الجيش الوطني السوري والهياكل السياسية التابعة له في شمال سوريا التي تحتلها تركيا، وكذلك في إدلب، إلى الاستفادة من الوضع، لتأجيج وأثارة انتفاضات مناهضة للكرد، لتسييس الوضع أكثر واستخدامه ضد قوات سوريا الديمقراطية.

 

وفي الوقت نفسه، واصلت قوات سوريا الديمقراطية محاولتها تأمين المنطقة من خلال تعزيز نقاط التفتيش والسيطرة على الشوارع الرئيسية، ولا يزال الوضع في تطور، ولا تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة، ولا يعرف عدد القتلى والجرحى، لكن تأكد وجود مدنيين بين الضحايا، وحتى الآن، لم تنخرط قبيلة البكارة، التي تهيمن على القسم الغربي من دير الزور، بشكل رسمي، ولا تزال منطقتها في القسم الغربي من دير الزور تشهد هدوءاً نسبياً، وعقد شيوخ ووجهاء القبيلة اجتماعاً في منزل الشيخ هاشم البشير لبحث الأحداث، من بين العشائر الأربع الرئيسية في دير الزور، البكارة، البكير. البوكمال، والشعيطات، كما أنه هناك العديد من الأفراد ضمن القبائل الثلاثة الأخيرة الذين يعارضون أبو خولة بشدة، لكن الوضع امتد إلى ما هو أبعد من مجرد اعتقاله.

كما أن دير الزور هي آخر منطقة في شمال وشرق سوريا تم تحريرها من داعش، حيث أنه عندما بدأت الحرب الأهلية السورية في مارس/آذار 2011، ظهر الجيش السوري الحر في البداية كمجموعة غير متجانسة من جماعات مسلحة صغيرة المكلفة بحماية المتظاهرين. وسرعان ما بدأ الجيش السوري الحر في تنظيم نفسه في كتائب أكبر، وبحلول صيف عام 2012، سيطر الجيش السوري الحر على جميع المناطق الريفية المحيطة بدير الزور، فضلاً عن معظم أحياء المدينة نفسها، وفي الوقت نفسه تقريبًا، بدأت جبهة النصرة، المنبثقة من تنظيم القاعدة، أيضًا في المشاركة في العمليات العسكرية ضد قوات الحكومة السورية، حيث كان بروز جبهة النصرة بمثابة تحول أكثر عمومية نحو درجات متفاوتة من التطرف الإسلامي بين الفصائل المسلحة للجيش السوري الحر، كما أدى ظهور داعش في العام التالي إلى القضاء ما تبقى من المعارضة العلمانية في المنطقة إلى حد كبير، حيث أنه عندما استولى تنظيم داعش على دير الزور، بعد معركة ضد جبهة النصرة خلفت مئات القتلى من الجانبين، أدى تطبيقه الصارم للشريعة الإسلامية إلى بدئ فترة من القمع والاغتيالات والتعذيب.

وتم شن حملتين عسكريتين منفصلتين ضد داعش في منطقة دير الزور، حيث تسابقت الولايات المتحدة وروسيا لخلق وجود لهما هناك. الأولى، بدأت في يونيو/حزيران 2017، بقيادة الجيش العربي السوري، بدعم من روسيا وإيران، والثانية كانت بقيادة قوات سوريا الديمقراطية، بدعم جوي من التحالف، وكانت نتيجة هاتين الحملتين المنفصلتين إلى انقسام دير الزور إلى قسمين، أي كالتالي: يشكل نهر الفرات الحدود بين الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية إلى الغرب، بما في ذلك مدينة دير الزور نفسها، والأراضي التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية في شرق البلاد، والتي تمتد حتى الحدود العراقية، وعلى هذا النحو، فإن الإشارات إلى أن دير الزورتقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية تشير إلى الريف الشرقي بين نهر الفرات والحدود العراقية، وليس المدينة نفسها.

و بعد انتهاء قوات سوريا الديمقراطية من حملة تحرير دير الزور، واجهت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مهمة إعادة بناء المنطقة المشلولة بسبب القتال والسكان الخارجين من سنوات تحت حكم داعش، حيث نهب الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وداعش حتى البنية التحتية الأساسية مثل كابلات الكهرباء والأنابيب والمضخات، مما يعني أن إعادة الإعمار الكاملة من الصفر كانت ضرورية بعد التحرير، ولذلك كان تنفيذ نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يتقدم ببطء، وفي ظل وضع أمني صعب.

وُبذلت جهود مكثفة في بناء المجالس المدنية لإدارة شؤون المدن والمناطق، حيث يتكون كل مجلس من لجان مختلفة تعمل في قضايا مختلفة مثل الصحة و العدالة والتعليم والاقتصاد. في عام 2023، تم افتتاح أولى التعاونيات في دير الزور، بما في ذلك تعاونية لصناعة الكتل الإسمنتية الضرورية لأعمال البناء. وقد سعت المنظمات النسائية، وعلى رأسها زنوبيا، إلى وضع قضايا المرأة وحقوقها وقيادتها في المقدمة، مع بذل جهود مذهلة لمواجهة القمع الذي عانت منه المرأة في ظل داعش.

 

ولا يزال السكان المحليون يبلغون عن نقص في جميع الجوانب، من المياه والصيدليات والكهرباء والغذاء والسكن وحتى فرص العمل. وبقيادة مجلس سوريا الديمقراطية تم عقد العديد من جلسات التشاور مع شيوخ ووجهاء عشائر وشخصيات معارضة وناشطين ومدنيين عاديين، فيما يتعلق بتوفير الخدمات، ونقل السلطة، والإصلاحات. حيث أن عقد مثل هذه المشاورات في حد ذاته بمثابة انتصار للمنطقة، حيث تمكن المدنيون من التعبير بشكل علني عن انتقاداتهم واقتراحاتهم في نطاق عام. وكانت الشكوى المشتركة للسكان المحليين في المشاورات العامة هي الاستياء من بطء التطوير في مناطقهم، فـ بعد سنوات من الحرب والقمع، لا يزال تركيز الأسرة العادية منصب على النجاة وتوفير أفضل حياة يمكن توفيرها لأطفالهم، في مواجهة عقبات متعددة.

يقول محمد حسون الرجب، الرئيس المشترك لمجلس دير الزور المدني ، خلال تصريحه لمركزمعلومات روج آفا أن الحالة السيئة للموارد المالية مرتبطة بغياب حل سياسي للأزمة السورية“. وكانت دير الزور تحتوي على العديد من المصانع، وحالياً جميعها تقريباً غير صالحة للعمل في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

ويقول فواز العطاش، الذي يعمل في هيئة المياه التابعة للمجلس المدني خلال تصريحه لمركزنا إن إصلاح أنابيب المياه بعد تدميرها من قبل داعش كان ولا يزال أولوية رئيسية، وخاصةً في الأرياف الغنية زراعياً، كما أضاف قمنا بتوسيع شبكة المياه لتوفير المياه الصالحة للشرب في مخيم البادية، مع إنشاء محطة مياه خاصة لهم، والآن نقوم بإعداد مشروع وهو عبارة عن خزان ضخم بسعة حوالي 700 متر مكعب، يهدف إلى توفير المياه الصالحة للشرب للمخيمات العشوائية في البادية“. كما تطرق العطاش إلى الحديث عن الاحتجاجات الشعبية المرتبطة بتدهور الأوضاع المعيشية، وقال: «مطالب الناس طبيعية، تتعلق بالوضع الاقتصادي مثل : زيادة الأسعار، ارتفاع قيمة الدولار، وهو ما يؤثر على كل شيء، و أيضاً العقوبات المفروضة على سوريا تؤثر علينا بشدة”، وقال العطاش معلقاً على نقص المياه في نهر الفرات، معرباً عن أسفه لتأثير ذلك على الزراعة، قائلاً: “منطقة دير الزور منطقة زراعية، لكن تركيا تقطع تدفق المياه منذ أكثر من عامين، وهو ما يشكل خطراً على الزراعة، يجب أن تكون الأراضي هنا خصبة.”

ومن جانبه تشير نجوى محمد الحسين، التي تعمل أيضًا في هيئة المياه، إلى تفشي مرض الكوليرا العام الماضي في شمال وشرق سوريا، قائلة إن “انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات ساهم في انتشار العدوى”. وتقول إن هناك 7 وحدات مياه رئيسية في دير الزور، مكونة من 72 محطة مياه، والتي تعمل بشكل جزئي باستخدام الكهرباء وبشكل جزئي باستخدام المحروقات”، وتضيف نجوى: “هناك نوعان من المحطات، تلك التي توفر المياه الخاممباشرةً، وتلك التي تقوم بتصفية وتنقية المياه أولاً، حيث نتلقى الدعم من الإدارة الذاتية بخصوص المحروقات؛ فهي توفر كمية معينة للمحطات، ولتشغيل المحطات حتى نتمكن من توفير المياه للناس، ولكنها ليست بذات الكمية التي تكفينا، نحتاج إلى دعم خاص للخط المركزي، ودعم عام للخط الشرقي مثل محطات البصيرة، مع العلم بأننا لم نتلق أي مساعدة من المنظمات الغير الحكومية، فالعديد من الأجزاء تحتاج إلى التبديل، وتحتاج إلى صمامات جديدة، ويجب شراء لوحات تحكم، وهنا في الكسرة هناك قرى عديدة بلا ماء، فمستلزمات المحطات كثيرة كما ذكرنا، ولهذا لا نستطيع تشغيلها بشكل متكامل، وقالت الإدارة الذاتية إنه لا يمكننا القيام بذلك (الدعم) بمفردنا، وسيكون من المفيد أن تتمكن المنظمات الأجنبية من المساعدة”.

و في دير الزور، كما هو الحال في بقية مناطق شمال وشرق سوريا، بدأت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في تنفيذ تغييرات جذرية تتعلق بالمرأة في المجتمع، حيث تمثل هذه التغييرات تحولاً واضحاً عن حكم داعش المعروف بمعاملته الوحشية للنساء، ولكنها تشكل فرقاً مقارنةً بمعاملة الحكومة السورية للنساء، فعلى الرغم من الرمزية المحدودة، تعرضت النساء في ظل الأسد لتمييز كبير في القانون، لا سيما في مجالات الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث، فـ في حين أن السن القانوني للزواج هو 18 عاماً للرجال و17 عاماً للنساء، فإن الزواج مسموح به غالباً اعتباراً من سن 13 عاماً. ويتبنى النظام القضائي السوري أيضاً نهجاً متساهلًا في التعامل مع جرائم الشرف، أو جرائم القتل بدافع الاعتقاد بأن الضحية ألحقت الأذى بسمعة عائلتهم أو قبيلتهم، والتي ترتكب في الغالب ضد النساء. ولا يوجد أي قانون يحرم العنف المنزلي.

في ظل حكم داعش، تدهور وضع المرأة بسرعة، حيث تم تجريد المرأة من جميع حقوقها تقريباً، واقتصر دورها بشكل واضح على دور ربة المنزل أو الأم، حيث تم اعتبار المرأة ملكية خاصة لزوجها، أو ملكّية لأحد أفراد الأسرة الذكور قبل الزواج، ولم يتمتعوا بأي استقلالية على الإطلاق، وفي الوقت الحاضر، تسعى الحركة النسائية المرتبطة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إلى تعزيز استقلال المرأة ومشاركتها النشطة في العملية السياسية الجديدة، ويشمل ذلك فتح مؤسسات تعليمية مخصصة للإناث فقط، وإنشاء نظام عدالة جديد يتحدى نماذج العدالة الذكورية السابقة. كما تم دعم المرأة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي؛ وخلق إمكانية مشاركة المرأة في قوات الأمن والدفاع النسائية، ولكن في دير الزور يحدث هذا ببطء وبشكل غير متساو، في ظل ثقافة قبلية قوية مرتكزة على السلطة الذكورية.

تعمل منظمة زنوبيا في صلب الجهود الرامية للحركة النسائية في المناطق ذات الأغلبية العربية في شمال شرق سوريا. وتعتبر شهرزاد الجاسم، إحدى أعضاء زنوبيا في دير الزور، حيث قالت خلال مقابلة مع مركز معلومات روج آفا أنه في البداية كانت المهام الأساسية للنساء المشاركات في زنوبيا هي نشر الوعي بين نساء المجتمع حول حقوق المرأة، وتصف الصعوبات التي واجهتم قائلتاً “واجهنا العديد من الصعوبات في هذا الأمر، ولكن مع مرور الوقت تمكنا من التغلب عليها من خلال تكثيف الزيارات المجتمعية ونشر الوعي بين الناس وإلقاء محاضرات حول مواضيع مثل زواج القاصرات وتعدد الزوجات، كما أن داعش قد أحدث تغييراً مدمراً في أذهان الناس، ويجب ألا نستخف بما حدث هنا من اضطهاد وعنف”.

شهرزاد الجاسم، عضوة في زنوبيا

وتوضح أنه خلال حكم داعش “لم يكن للمرأة مكان ولا حقوق في المجتمع، حيث كانت النساء محاصرات في المنزل، وكان من الصعب أيضًا التغلب على العوامل الموجودة مسبقاً مثل العقلية الذكورية والاستبداد والعادات والتقاليد البالية، فخلال فترة سيطرة جبهة النصرة، كان يقومون بفرض قوانين محرمة على النساء، لكن داعش كانت الضربة القاضية لدير الزور، حيث كان هناك قصاص، ضرب، قتل، جلد في الشوارع، حبس في أقفاص، لقد رأت النساء أبشع أنواع التعذيب، وقالت أنه في ذلك الوقت كان الآباء يزوجون بناتهم اللاتي يبلغن من العمر 13 عاماً لرجل يبلغ من العمر 50 عاماً أو يعطونهن لأي رجل من داعش مقابل مبلغ زهيد، لذا فإن ما نعيشه الآن نعتبره إنجازاً عظيماً، ونرى كيف تركت المرأة بصمة في المجالات السياسية والعسكرية والمدنية و ونظام الرئاسة المشتركة”.

وفي نفس السياق تقول عضوة أخرى في زنوبيا، ليلى العبد الله: “عشت هنا تحت حكم النظام السوري والجيش الحر وجبهة النصرة وداعش والإدارة الذاتية. (إننا نشهد حاليًا نهضة لحرية المرأة) يمكن للمرأة أن تدخل المجال السياسي، وتفتح مشاريع بمفردها، وتصبح رئيسة مع نظام الرئاسة المشتركة“.

وترى عضوة ثالثة اسمها سناء محمد أن “وجود العادات والتقاليد في المجتمع وعقيدة داعش أنهت المرأة وهمشتها بشكل كبير، لقد عشت في ظل داعش، وهذه كانت واحدة من أصعب الفترات في حياتي، فالتغييرات التي شهدتها المرأة منذ ظهور الإدارة الذاتية لشمال وشرق دير الزور ملحوظة. في البداية، أثناء زيارتنا كزنوبيا للقرى، واجهنا النفور. اعتقد الناس أننا كنا نعمل من أجل شيء عديم الفائدة، لكننا التقينا بالنساء وناقشنا معهم، والآن بدأت النساء فعلاً يطلبن المزيد من الاجتماعات”.

تحدثت النساء الثلاث خلال قابلة مركزنا معهن عن جريمة القتل المزدوجة التي وقعت في بداية العام، عندما قام شقيق أبو خولة وحارسه الشخصي بتعذيب وقتل فتاتين وهما نجلاء وازدهار، حيث توضح شهرزاد الجاسم: “تم اختطاف الفتاتين لأن ابن عمهما كان يتحدث مع شقيقة أبو خولة، وعندما علم أبو خولة بالأمر، قام بتعذيب الشاب وقطع أذنيه، وهي إحدى أساليب التعذيب التي يستخدمها تنظيم داعش. وعندما تم العثور على جثتي الفتاتين في منطقة الصور، زعمت بعض وسائل الإعلام أنها جريمة مرتكبة من قبل داعش، ومع ذلك، قال شهود عيان إنهم رأوا سيارة تابعة لمجلس دير الزور العسكري تداهم المنزل لتأخذ الفتيات، و في الواقع، كانوا يبحثون عن ابن عم الفتاتين، لكنه لم يكن هناك _حيث قد لاذ بالفرار إلى جانب النظام السوري لذلك أخذوا الفتيات بدلاً من ذلك، وخرج أبو خولة وقال إن الجريمة يتم تسييسها من قبل النظام السوري لزعزعة الأمن، ولكن لماذا إذاً كانت سيارة المجلس العسكري متجهة إلى منزل الفتاتين؟ هل من الممكن أن تكون قائداً عسكرياً ولا تعرف أين تذهب سياراتك أو ماذا يفعل أخاك؟ وبعد هذه الحادثة فُقدت الثقة بالمجلس العسكري، أما بالنسبة لنا نحن النساء، عندما نرى سيارات المجلس العسكري، نعرف أن لهم دوراً في قتل الفتاتين”.

كما تحدث مركز معلومات روج آفا مع مقاتلتين من وحدات حماية المرأة في الكسرة غرب دير الزور، حيث طرحوا مسألة العقلية التي فرضها داعش، حيث قالو لم تكن النساء قادرات على الخروج أو والتعبير عن أصواتهن في ذلك الوقت والصعوبة الأكبر اليوم هي أن هذه العقلية لا تزال موجودة، الخوف موجود، ولا يزال هناك العديد من عمليات قتل النساء”.

إحدى ضابطات الأسايش في دير الزور تقول لـمركز معلومات روج آفا أنه بسبب العقلية المتشددة والمحافظةفإن العديد من النساء لا تفكرن حتى بأنهم يستطيعون الانضمام إلى الأسايش (قوى الآمن الداخلي) أو وحدات حماية المرأة، ومن بين 6000 عنصر من الأسايش في دير الزور، هناك 54 امرأة، ومع ذلك، تضيف: “سابقاً لم تكن هناك واحدة “.

كما خضع نظام العدالة في دير الزور لإصلاحات كبيرة. في حين نفذت الحكومة السورية وجبهة النصرة وداعش أشكالاً مختلفة من العدالة الجزائية، تهدف الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا إلى تنفيذ شكل من أشكال العدالة التصالحية، فـ إصلاح العدالة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا كان بمثابة تحول جذري بعيداً عن النظام الجزائي سيئ السمعة التابع للحكومة السورية، حيث يتميز نظام العدالة الجديد في شمال شرق سوريا بسيادة القانون والشفافية النسبية.

20 عامًا هي العقوبة القصوى التي يمكن إصدارها الآن لأي جريمة في شمال شرق سوريا، كما يتم الآن أيضاً تطبيق حقوق الزيارة للزوار وتقليل الأحكام لحسن السلوك في جميع أنحاء شمال و شرق سوريا، وسعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أيضاً إلى تطبيق العدالة من الأسفل إلى القمة لتقليل عدد الحالات التي تتطلب التدخل القضائي أو عقوبة السجن.

كانت إحدى الخطوات الأولى التي تم اتخاذها هي إنشاء لجان المصالحة المحلية، حيث يهدفون إلى تمكين الناس من حل مشكلاتهم على مستوى القرية والأحياء إلى مستويات أعلى، وفي بلدة الكسرة، يقول داود خالد الدمام من لجنة المصالحة لـمركز معلومات روج آفا: “أكثر القضايا التي تصل إلينا تتعلق بالميراث والأرض والديون، والقضايا الصعبة علينا هي الميراث ولكن يمكننا القول أنه يمكننا أن نقوم بحل 60% من القضايا، ويتم تحويل ما تبقى إلى محكمة العدل حيث يتم حلها قانونياً هناك، فالميراث أمر صعب لأنه يمكن أن يأخذ جانباً دينياً ويتطلب وجود قاضي شرعي”.

داوود خالد الدمام، لجنة المصالحة.

ويضيف: “إن أساس المصالحة هو رضا الطرفين، إذا لم يرضي أحد الطرفين فالمصالحة غير مقبولة، وفي المصالحة يستطيع كل من يستطيع المساعدة وحل المشكلة بين الطرفين أن يدخل مع لجنة المصالحة، وليس بالضرورة أن يكون من اللجنة المكلفة فقط، ففي بعض الأحيان يكون هناك أشخاص كبار السن لديهم المعرفة والتأثير الذي يستطيع أرضاء جميع الأطراف، وهم ليسوا من أعضاء لجنة المصالحة، وإذا فشلت كافة محاولات التصالح، تقوم اللجنة بإعداد تقرير بذلك ورفعه إلى المحكمة لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنه».

ويقول مازن التبان وهو عضو آخر في لجنة المصالحة، إنه في العامين الأولين بعد التحرير من داعش، كان على اللجنة القيام بالكثير من العمل بشكل سري، ويقول التبان: الآن إن خلايا داعش قلت كثيراً ولم تعد تؤثر على عملنا بشكل كبير، بينما في السابق “كان غالبية الناس يخافون من خلايا داعش ولم تكن للجان المصالحة دور.

ويؤكد الدمام أن الهجمات على إدارة لجنة المصالحة مستمرة بشكل مباشر، فُتل اثنان من زملائنا في العمل في عام 2019. وفي الأشهر الأخيرة أيضًا، قُتل زميلنا أملح المحيسن، الذي كان يعمل في منطقة الشحيل، وأصيب جاسم العمو برصاصة في قدمه، لقد أصبحت مثل هذه الهجمات علنياً أمراً طبيعياً”، ويضيف التبان أن “الإناث في لجنة المصالحة يتعرضن لضغوط أكبر من الرجال، لكن الريف الشرقي لدير الزور يختلف عن الريف الغربي، حيث لا يزال هناك المزيد من خلايا داعش في الريف الشرقي، وعلى النساء ارتداء الزي الكامل (النقاب)”.

 

مازن التبان، عضو في لجنة المصالحة.

 

داعش، على الرغم من هزيمته إقليمياً، إلا إنه لا يزال يشكل تهديداً في دير الزور، من خلال خلايا نائمة التي تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، حيث تستهدف حواجز قوات سوريا الديمقراطية، وشيوخ العرب، وأي أفراد مواليين للإدارة الذاتية، كما هو موضح في تقارير الخلايا النائمة الشهرية لـمركز معلومات روج آفا. ويقوم التحالف وقوات سوريا الديمقراطية بحملات مشتركة متكررة لتفكيك الخلايا النائمة. وباعتباره المعقل الأخير للخلافة، والبوابة الرئيسية لداعش إلى العراق، فإن الجزء الشرقي من دير الزور الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية يشهد وضعاً أمنياً غير مستقر لحد كبير. حيث أن المساحات الصحراوية الشاسعة هناك، والتي تمتد إلى الربع الشمالي أيضًا، تجعل المنطقة مكانًا صعبًا لتأمينه عسكرياً، ويضطر بعض السكان المحليين إلى التعاون مع الخلايا النائمة بسبب الخوف أو عدم وجود خيارات أخرى.

محمد حسون الرجب الرئيس المشترك لمجلس دير الزور المدني يقول لـمركز معلومات روج آفا إن “التحدي الأكبر في دير الزور هو الأمن، إذ لا تزال خلايا داعش موجودة في المنطقة، وهناك أيضاً خلايا تعمل لصالح النظام السوري، وتركيا أيضاً“.

كما يقول فواز العطاش، مدير هيئة المياه في المجلس المدني“نحن جميع العاملين مع الإدارة الذاتية، نتلقى تهديدات من جهات مختلفة، كـ تنظيم داعش، ومن المخابرات التركية، والنظام السوري، ولكنهم يعملون تحت اسم واحد حيث أن كل التهديدات التي تطالنا تكون باسم داعش، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن العديد من الاغتيالات. وهنا تعرض زميلنا أبو روان لمحاولة اغتيال؛ إذ أنهم (داعش) أطلقوا النار على ساقيه”.

وفي الوقت نفسه، تعد منطقة دير الزور مسرح لصراع القوى بين الولايات المتحدة وإيران وروسيا، حيث تعزز الولايات المتحدة وجودها في الأراضي التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية شرق الفرات لتعرقل ما تنويه إيران وهو إنشاء حزام بري عبر سوريا إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. وعلى طول الضفاف الغربية لنهر الفرات (الخاضع لسيطرة الحكومة)، والذي تهيمن عليه الميليشيات الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي، في حين تبقي روسيا على وجود أقل بروزاً أو أكثر خفاءاً. وسعت القوات الموالية لدمشق والقوات الإيرانية إلى تسريع وتوسيع تأثير حملة الخلايا النائمة لتنظيم داعش في مناطق شمال وشرق سوريا من خلال شن هجمات متمردة خاصة بها، بما في ذلك الاغتيالات، حيث لا يتحمل الجيش العربي السوري المسؤولية عن هجمات المتمردين المؤيدين لدمشق، مما يخلق غموض بشأن مدى مساعدة وتحريض حكومة دمشق وطهران لأفعال داعش. وتقوم الحكومة السورية وداعموها بتجنيد أفراد القبائل للانضمام إلى ميليشياتها، لكنهم لم يحققوا نجاحاً يذكر في تأمين الانشقاقات في قوات سوريا الديمقراطية، على الرغم من المحاولات الروسية لدعم هذه المساعي. ويرجع جزء كبير من ذلك إلى تحسين الأجور والظروف والدعم من جانب قوات سوريا الديمقراطية.

إن محاولات زعزعة الاستقرار التي تقوم بها حكومة دمشق تتجاوز الجهود العسكرية، حيث يصف الدمام كيف أن “النظام السوري يخلق مشاكل سياسية على المستوى المجتمعي، ويثير المشاكل بين الإدارة الذاتية والعشائر”. لكن الرجب يقول لـمركز معلومات روج آفا أنه لا يوجد دائماً تماسك بين العشائر نفسها، قائلاً “هنا، داخل العشيرة الواحدة، قد تجد قسماً يدعم داعش، وجزءاً موالي النظام، وجزءاً آخر موالي للإدارة الذاتية”. وجزء يدعم الجيش السوري الحر مما يخلق مشاكل على المستوى الاجتماعي”. ويوضح فتحي العطيش، نائب رئيس الهيئة الرئاسية في المجلس المدني، “لا نقول أن العشائر تتعاون ضد الإدارة الذاتية، فالإدارة الذاتية هنا هي نفسها مبنية على أبناء العشائر وتشكلت من أبناء العشائر”، لكن هناك شخصيات معادية لنا وهم ضعفاء حين يتعلق الأمر بالمال حيث يُستغل هذا الضعف من قبل النظام وغيره، والحقيقة أن هناك التفاف كبير حول الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من قبل أبناء وشيوخ العشائر، كلنا نريد حلاً سياسياً بموجب القرار 2254 يحفظ حقوق كافة مكونات سوريا”. ويطرح الرجب أيضاً مسألة شبكات المخدرات: “القرب الشديد من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يخلق صعوبات، إذ هناك فوضى بسبب تجارة المخدرات”. وقد تم ربط كل من الأسد وعائلته، وكذلك الميليشيات الإيرانية، بإنتاج و صناعة الكبتاغون والتهريب في سوريا. ويقول العطيش إنه على علم بوجود 4 مصانع للأدوية نشطة على الضفة الغربية لنهر الفرات في دير الزور: “واحد في الميادين، وواحد في قرية كريا، وواحد في غازي عياش، وواحد في البوكمال”. حيث إنها مصانع إيرانية، وتستخدم الأموال الذي تنتجها في دفع أجور الخلايا الإيرانية. وبسبب الخط الحدودي اللين بيننا وبين النظام – نهر الفرات – فمن السهل على الأطراف الأخرى نشر المخدرات في منطقتنا، ولا يمكن لأي قوة أن توقف هذه الخروقات الأمنيةن و في الواقع، لا تأتي هنا كميات كبيرة من المخدرات، ولكننا نريد القضاء على هذه الظاهرة نهائيا، ونريد تدمير المصانع. وحتى في دمشق، هناك مصنع يملكه وزير الدفاع السابق للحكومة لإنتاج الأغذية المعلبة، حيث يقوم المعمل أيضا بإنتاج المخدرات، وبالتالي فإن النظام يستفيد أيضاً من هذه الصناعة، وليس فقط الميليشيات الإيرانية، النظام ليس بيده شيء يتم أنتاجه لدعم أقتصاده؛ حيث إنه يعتمد على المخدرات”. ويقول عبد الرزاق الرحيم، نائب الرئيس المشارك للمجلس المدني، إن “انتشار المخدرات هنا سيدمر جيلاً كاملاً. كما إن وضع المخدرات في دير الزور لا يستخف به. ومن بين كل 4 شباب، 3 يتعاطون المخدرات. ويبلغ طول الخط الحدودي مع الحكومة السورية 250 كيلومتراً، لذا من الصعب تغطية تلك المسافة وتأمينها. كما إننا نحتاج أيضًا إلى مراكز إعادة تأهيل للمدمنين، حتى يتمكنوا من التعافي وعدم التأثير على الآخرين”. ويشير التعايش إلى أن قوات سوريا الديمقراطية شكلت جهازاً لمكافحة المخدرات في كل منطقة، “وهذا أدى إلى تقليل كميات المخدرات في منطقتنا”.

ويوضح العطيش أن العديد من الأشخاص الذين كانوا يعيشون سابقاً على الجانب السوري من نهر الفرات قد رحلوا إلى الجانب الشرقي بسبب الفقر والفساد، ما أدى إلى ظهور مخيمات للنازحين والمهاجرين في الريف.

كما تحدث مركز معلومات روج آفا مع مجموعة من شيوخ ووجهاء قبيلة البكارة، الذين يوضحون أن تعامل العشائر مع مختلف الجهات التي سيطرت على المنطقة على مدى سنوات الحرب كان ضرورياً لضمان أمن و سلامة القبيلة، حيث يقول غضفان الحبش، وهو من عشيرة البو مسلم عابد، إن “بعض الشباب انضموا إلى فصائل [الجيش السوري الحر] لأنهم يؤمنون بفكرها، وبعضهم اتبع مصالحه، والبعض الآخر لمجرد سيطرة الفصائل على المنطقة”. ويقول إن وصول الإدارة الذاتية جلب بعض الاستقرار، “من حيث وجود إدارة تدير شؤون المنطقة، وهي إدارة مدنية”، لكنه يضيف أن “الناس يعانون بسبب الوضع الاقتصادي. حيث سنة بعد سنة، تزداد نسبة الفقر. كما إن التعليم ليس كما ينبغي بسبب الخلافات حول المناهج الدراسية. كما إن الوضع الأمني ​​يتحسن تدريجياً، مما يجلب الاستثمارات ويساعد على تطور الوضع الاقتصادي. ولكن هناك نقص في فرص العمل، وخاصة للشباب. إذا لم يكن هناك حل سياسي لسوريا، فلن يكون هناك تحسن حقيقي”.

شيوخ ووجهاء قبيلة البكارة

 

وقد تحدث العديد من وجهاء البكارة الذين تمت مقابلتهم عن دور التحالف الدولي، وأعربوا عن استياءهم من أن جميع هذه الدول الحليفة، بما في ذلك الولايات المتحدة، غير قادرة على توفير حياة كريمة للمواطنين في شمال وشرق سوريا“. وقد تم الذكر بشكل متكرر على استعداد التحالف لإشراك نفسه عسكرياً في شمال وشرق سوريا في القتال ضد داعش، ولكن في نفس الوقت عدم استعداهم في العمل على تأمين ظروف اجتماعية واقتصادية أفضل والتي من شأنها أن تقلل أسباب الانضمام إلى داعش-. يقول عبد الكريم نجم السلمان عراف البكارة: “إذا لم يكن لدى الناس قوت يومهم، فلن يؤمنوا بالإدارة”. “حيث كانت منطقتنا تغذي سوريا كلها بالخبز، لكنها الآن لا تستطيع إعالة نفسها. نحن الآن نواجه مشكلة الهجرة إلى الخارج بسبب الظروف المعيشية. حيث أن أساسيات الحياة الثلاثة هي الماء والكهرباء و الأمان. ورغم وجود نهر الفرات والسد، لا يوجد ماء ولا كهرباء”. ويقول الحبش إنه من المتناقض “أننا حققنا انتصاراً على المستوى العالمي [ضد داعش]، ليس فقط بإزالة الخطر من مناطقنا، بل بإبعاده عن أوروبا وبقية العالم”، لكن التحالف الآن لا يدعم ذلك ولا يقدم الدعم لضمان المعايير لحياة كريمة وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. ويؤكد: “لكننا لا نقول أعطونا الطعام، بل نقول: “اجعلوا تركيا تسمح بتدفق الماء بالنهروسنصنع طعامنا بأنفسنا“.

ريف الكسرة، غرب دير الزور.