رواد البيئة في شمال وشرق سوريا – لقاءات مع هيئة الإدارة المحلية والبيئة في إقليم الجزيرة وجمعية “الجدائل الخضراء”
في مواجهة التحديات البيئية، تعمل عدد من الجهات الفاعلة في شمال وشرق سوريا على تنمية “سكان ذوي تفكير بيئي”. تحدث مركز معلومات روج آفا (RIC) بخصوص مختلف القضايا البيئية التي تعاني منها شمال وشرق سوريا والجهود التي تبذل لحلها، مع كل من بريفان عمر، إدارية في هيئة الإدارة المحلية والبيئة في إقليم الجزيرة، وأيضاً مع زيوار شيخو متطوع في “جدائل الخضراء” (Keziyen Kesk)، وهي مبادرة بيئية شعبية. وأبو برزان، من مدينة قامشلي والمسؤول عن إدارة إحدى المولدت الكهربائية في أحياء المدينة.
تقول بريفان عمر والتي تعمل في منصبها منذ عام 2016 إن “مبدأ البيئة الاجتماعية هو من مبادئ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، هذا المفهوم لا يتعلق فقط بكيفية حماية البيئة، ولكنه يتعلق بطريقة إدارة المجتمع، فــ حماية البيئة هي جزء من هذا”، وتضيف عمر” إن عيش حياة بيئية كان شيئا طبيعياً، ففي الماضي كان الناس يحمون بيئتهم، ولا يزال يفعلون ذلك الآن في القرى، حيث أنهم مندمجون جداً مع الطبيعة وتربية الحيوانات وعدم استخدام الكثير من الطاقة التي تدمر البيئة كما هو الحال في المدن، في الوقت الراهن نريد أن نعلم الكومينات كيفية فصل القمامة، مع العلم بأن والدتي كانت تفصل القمامة في أوقات سابقة، ولم يكن على أحد أن يخبرها كيف تفعل ذلك، وكانت تطعم الحيوانات وتعتني بهم، ولهذا كان لدى الأسرة اللبن والبيض الذي تنتجه الحيوانات ليتم صنعه إلى اللبن والمشتقات الأخرى، لذلك لم تكن هناك حاجة للذهاب وإحضارهم من مكان آخر، لم تكن بحاجة إلى سيارة لتلبية احتياجاتك، ولم تكن بحاجة إلى جمع الكثير من الحيوانات معاً في مكان كبير للحصول على الحليب واللبن، يمكنك تدبير كل هذا بنفسك، وكان من المهم أيضاً بأنه لم تكن هناك أي شركة أو أشخاص يتحكمون بــ أسعار اللبن، يمكن لجميع الناس إعالة أنفسهم من خلال الاكتفاء ذاتي، نحن بحاجة للنظر في المعرفة البيئية الموجودة بالفعل في مجتمعنا، على سبيل المثال كبار السن الذين عاشوا في القرى من قبل، يمكننا الاستفادة من تجاربهم من حيث كيفية تعاملهم مع القمامة وكيفية إعادة تدويرها، فأمي لا تجمع القمامة لديها، إنها تستخدم الأشياء عدة مرات، حتى تصبح في الواقع قمامة. هذا شكل من أشكال الثقافة”.

بيريفان عمر-إدارية في هيئة الإدارة المحلية والبيئة في إقليم الجزيرة
يتم طرح قضايا المياه باستمرار خلال النقاشات، في حين أن شمال وشرق سوريا قاحلة، مع فصول الصيف الطويلة الحارة وقلة هطول الأمطار السنوية، فمن المتوقع أن تكون آثار تغير المناخ العالمي شديدة بشكل خاص في سوريا، وفي الوقت نفسه، انخفض تدفق نهر الفرات بشكل كبير، لأن بناء السدود في تركيا يحد من من التدفق النهر الفرات إلى سوريا، كما جف نهر الخابور وجداوله جزئيًا أو كليًا.. وفي الوقت نفسه، فإن المياه من محطة مياه علوك، الواقعة في “قطاع طريق M4” الذي تحتله تركيا، معرضة للألعاب السياسية، حيث أن الجيش الوطني السوري الذي يسيطر على المنطقة يقطع تدفق المياه بشكل متكرر.
وخلال اللقاء أشارت بريفان إلى مشكلة المياه، وقالت: “بشكل عام، إن مشكلة المياه كبيرة وخاصةً في مدينة حسكة، فالوضع هناك من حيث النظافة وزراعة الأشجار صعب، لأنه بالكاد يستطيع الناس تأمين مياه الشرب، قبل الاحتلال التركي لسرى كانيه، كانت لدى حسكة الماء الكافي، وبعد الاحتلال، بات المياه سلاحاً لتركيا ضد الأهالي، ليس فقط سكان حسكة الذين وحدهم يعانون من هذه المشكلة، بل أهالي سري كانيا أيضاً، الذين نزحوا وفروا إلى حسكة، ويعتمدون حالياً على المياه صهاريج، وهذه الصهاريج تتطلب الكثير من المحروقات. لدينا بعض المشاريع لحل هذه الأزمة ولكن إلى أن يتم تنفيذها، نحتاج إلى خزانات مياه “، وأوضحت، بأنه “إلى أن تتم الموافقة على هذه المشاريع والإعلان عنها بالكامل يمكن تقديم القليل من المعلومات الرسمية مثل التكلفة والإنتاج التشغيلي”، وأكدت أن “المشروع الرئيسي هو جلب المياه إلى حسكة من قرية بالقرب من مدينة عامودا عبر أنابيب جديدة”. قبل عام، بدأ العمل في البحث عن مخازن المياه الجوفية في حسكة، من قبل الجيولوجيين وغيرهم من العلماء، ووجدوا أن المياه الصالحة للشرب الأقرب إلى مدينة حسكة تقع في سري كانيه (الواقعة الآن تحت الاحتلال التركي) أو تل براك أو منطقة عامودا، تقول بريفان: إن عامودا التي تقع على بعد حوالي 60 كيلومتراً من حسكة، ليست المكان المثالي، ولكن لا يوجد مكان أقرب. فـ عندما تقترب من المدينة، فإن المياه ليست نظيفة بما فيه الكفاية، وتكلفة تنظيف تلك المياه تتجاوز تكلفة جلبها. وتتمثل الخطة في حفر آبار في أحد قرى عامودا، حيث المياه “جيدة ووفيرة حقاً”، وتركيب أنابيب لجلب هذه المياه إلى مدينة حسكة. تم حفر بئر كاختبار واحد حتى الآن، وإذا اكتمل المشروع، فإنه رغم ذلك لا يزال غير قادر على توفير المياه يومياً، لا أقول إن هذا سيحل المشكلة في حسكة تماماً، لكنه سيكون جزءاً من الحل وسوف يساعد. كما تشير بريفان إلى مشروع آخر بدأ لحل النقص الحاد في المياه في حسكة، وهي خطة تستند إلى هيكل مشروع حكومي وهو توجيه مياه نهر الفرات إلى حسكة، وقالت: “لقد واصلنا هذا المشروع العام الماضي، والمشكلة التي نراها هي أن الأشخاص الذين يعيشون في القرى القريبة من صنبور أنابيب النهر يستغلون المياه بشكل غير قانوني، وبالتالي فإن الكمية التي تصل إلى المدينة ستكون ضئيلة، وتشير التقديرات إلى أن المشروع يوفر 20٪ فقط من احتياجات المدينة من المياه، ولكن الناس الذين يسحبون المياه قبل أن تصل إلى المدينة سيجعل تدفق المياه منخفضاً وبطيئاً، والكمية التي ستصل إلى المدينة لن تكون كافية، وتعاني القرى القريبة من الأنابيب أيضاً من نقص المياه، لذلك ليس لديهم الكثير من الخيارات غير سحبها، لذا، فإن مشروع الفرات موجود، لكنه لا يوفر الكمية المطلوبة”.
لا يزال زيوار شيخو يتذكر كيف كانت أنهار في شمال وشرق سوريا عندما كان طفلاً، كما يقول، في إشارة إلى كيف تسببت بناء السدود في تركيا في كارثة بالنسبة لهم، وقال: “عندما كنت طفلاً، لم يكن بإمكاني الذهاب إلى النهر المحلي بهذه السهولة، لأنه في الشتاء ستكون هناك فيضانات، حتى في الصيف، لن يجف الماء أبداً، كان لدى عائلتي حديقة زرعوا شتى أنواع الخضار من أجل بيعها، كما كان هناك أسماك في النهر، بشكل عام كانت المنطقة نابضة بالحياة، حيث كان يمكنك إيجاد كل ما تريد من الطيور والأسماك وأنواع الأعشاب التي لا نعرف حتى الآن أسماءها. والآن اختفت لمياه، حيث لا ماء ولا أسماك ولا حدائق ولا أشجار، والقرية التي نشأت فيها فارغة الآن. تسبب “مشروع جنوب شرق الأناضول” في تركيا في حدوث تغيير بيئي كبير هنا، مما تسبب بدوره في موجات من النزوح “. ويشعر شيخو بالغضب، لأن الحكومة السورية لم تتخذ المزيد من الإجراءات ضد بناء السدود في تركيا، لكنه يقول إنه مستسلم لحقيقة أن “الحكومتين – سوريا وتركيا – تتفقان على إبادة الكرد وإلحاق الضرر بهذه المناطق لأن الكرد يعيشون هنا”. وقال: “سوريا ليس لديها مشكلة مع مثل هذه الممارسات. مهما فعلت تركيا، سوريا لا تتدخل “.

زيوار شيخو – جدائل خضراء
في كلتا المقابلتين، يشدد كل من بريفان و زيوار على أهمية مسألة العقلية المجتمعية أوالتفكير، حيث قالت بريفان: “العقلية هي المشكلة التي نواجهها، نحن بحاجة إلى التغيير، وهذا صعب، أعني لإقناع الناس بالاعتناء بما حولهم، وزراعة الأشجار، وعدم جعل الأماكن قذرة، وعدم رمي القمامة، هذا الأمر سيستغرق وقتاً لتعليم هذه العقلية، وفيما يتعلق بتغيير طريقة التفكير العقلية، يمكن أن يحدث هذا على أفضل وجه ضمن المدارس، حيث يتم تعليم الأطفال والجيل الجديد”.
في الواقع مسألة توعية الطلاب في المدارس يعتبر جزء كبير من عمل جدائل الخضراء، التي تم إنشاؤها في نوفمبر عام 2020، وكما وضح زيوار لمركز معلومات روج آفا، “نريد من الطلاب أن يتصرفوا بطرق تراعي البيئة، ليس فقط من الناحية النظرية ولكن في الممارسة العملية أيضاً، لتنمية مجتمع ذي تفكير بيئي، حيث نعطي دروساً نظرية وتطبيقية، على سبيل المثال، نعلم المعلم كيفية صنع شتلة من الأشجار، وثم يمكن بدوره تعليم الطلاب كيفية القيام بذلك، إلى جانب ذلك، يحصل الطلاب على دروس حول الأشجار والبيئة، عندها سيكونون قادرين على فهم أفضل، حيث يرون كيف تصبح شتلاتهم الصغيرة شجرة ضخمة، وأيضاً هناك نشاط آخر مهم جداً وهو جمع القمامة وفرزها وفقاً للبلاستيك أو الزجاج، يتم ذلك أيضاً مع الطلاب، كجزء من الأعمال البيئية اليومية، بحيث يصبح جزءاً من عقلية الطلاب، إذا زرع هذا الأمر لدى الطلاب، يمكن للطلاب أنفسهم نشر هذه العقلية بين أصدقائهم وعائلاتهم، وتحمل المسؤولية، وإجراء التغييرات اللازمة، لذلك لن تكون مسألة شخص أو شخصين فحسب، بل يمكن أن يكون مجتمعاً كاملاً يعمل وفقاً للمعايير البيئية. باختصار، هذا ما يقوم عليه مشروع مدارسنا، وهذه ليست سوى البداية، استغرق الأمر عاماً واحداً حتى نوضح مع هيئة التعليم التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ولكي يتم قبول اقتراحنا. لدينا هدف لجعل المدارس جوهر العقلية البيئية وتنشئة جيل يعتني بالبيئة “.
بريفان أيضاً تذهب إلى المدارس، وتلقي المحاضرات، تشارك بزراعة الأشجار، وتنظيف ساحات المدرسة مع الطلاب.

بريفان عمر تقدم محاضرة تثقيفية
بشكل خاص وضمن المدن تعتبر المشاكل البيئية كبيرة، يأسف أبو برزان على القمامة الموجودة في شوارع قامشلي، وقال قائلاً: “فيما يتعلق بالقمامة في الشوارع، قبل الثورة كان هناك بعض القمامة، ولكن ليس على هذا المستوى، رغم أنه كان هناك طغيان من الدولة السورية، وأعتقد أن هذا مرتبط بـ 12 عاماً من الحرب والدمار، لا نريد أن يكون لدينا قمامة في المدينة. نحن ندفع شهرياً لخدمة القمامة البلدية، نريد أن تكون شوارعنا نظيفة وخالية من السيارات الملوثة، نريد أشجار وطبيعية نظيفة “، ومن جانبه ترفض بريفان الفكرة القائلة التي قالها أبو برزان المتمثلة بأن البلدية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للحفاظ على نظافة الشوارع، وقالت: “تقع مسؤولية التنظيف في أيدي الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا والشعب. لكن لأكون صادقًا، لا أفهم لماذا يجب على الإدارة الذاتية تنظيف شوارعنا أو منازلنا، لا أحد يستطيع أن ينكر عمل الجاهد من قبل الإدارة الذاتية على هذه الأمور، إذا توقفوا عن العمل ليوم واحد، لا يمكنك تخيل ما سيحدث، لكن لا تحتاج البلدية إلى القدوم وجمع قمامة كل شخص وتنظيف محيطه، توجد حاوية قمامة في كل حي وفي كل شارع، يجب على الناس إزالة الأشياء والأوساخ الخاصة بهم ووضعها في الحاويات، فـ في بعض الأحيان تذهب شاحنة البلدية 3 مرات إلى أحد الأحياء لجمع القمامة، ولا يوجد في البلدية عدد كبير من العمال، ربما من 100 إلى 200، وفي المقابل آلاف من الناس. لا ينبغي أن نفكر بهذه الطريقة على أن عمال البلدية يجب أن يفعلوا كل شيء، لا ينبغي أن نتعلم أن شخصاً آخر يجب أن يأتي للتنظيف نيابة عنا. أنها مشكلة فكرنا أن نظافة الشارع هي مجرد مشكلة يتعين على البلدية حلها “.
تشير بريفان أيضاً إلى أن الإدارة الذاتية لديها قوانين وأنظمة بيئية بشأن التخلص من النفايات، لكن هذا التنفيذ ضئيل، وقالت : “في زمن النظام السوري، كان هناك خوف، فقد كانت الشرطة صارمة والناس يخافون من خرق القانون، ربما هذا الشيء يلعب دوراً في سلوك الناس، إن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جديدة وليست صارمة تجاه ذلك، هناك قوانين بلدية للنظافة، بما في ذلك إخراج القمامة، لكن التنفيذ صعب للغاية، يمكن أن يتم تغريمك، لكن الأمر يستغرق شهوراً في المحكمة وربما في النهاية لا تدفع أي شيء، لكن الحل ليس أن نكون أكثر صرامة، الحل هو التحدث مع الأطفال، وتعليمهم لماذا لا ينبغي عليهم إفساد محيطهم، المدن كبيرة جداً على أي حال لمراقبة والقبض على كل من يرمي القمامة، لكننا سنشكل لجاناً في البلديات لمساعدة البلدية ونشر وتنفيذ القوانين المتعلقة بالنظافة”. هناك مشاريع جديدة لإدارة النفايات، كما تقول بريفان، وتطرح مسألة النفايات في الامتداد طول لأرض بين مدينتي حسكة والرقة، وتتحدث عن مشروع قادم لإزالة كل هذه القمامة، قائلةً إن “التخطيط في المراحل النهائية، حيث سيتم جمع القمامة ونقلها إلى مكان آخر حيث يمكن فرزها. كما نجري مناقشات مع جمعيات التعاونية حول كيفية إشراكها في هذا العمل. سيتم بناء محطة نقل، حتى تتمكن الشاحنات الكبيرة من نقل القمامة إلى هناك”. وهناك أيضاً مشروع إدارة النفايات المستشفيات، على الرغم من أن هذا لا يزال في مراحله الأولى”.
تأخذ جدائل الخضراء زراعة الأشجار كأولوية أساسية. فـ عند التأسيس، كانت إحدى الأنشطة الأولى للفريق هو البحث في تغطية الأشجار في شمال وشرق سوريا، والنظر في أرقام الأمم المتحدة ومحاولة تفسير هلاك الأشجار منذ الحرب الأهلية السورية. يقول زيوار شيخو إن الفريق يحاول حالياً العثور على مناطق فارغة وعقد اتفاقيات مع ملاك الأراضي لبدء زراعة الشتلات وإنشاء مشتل صغير، حيث تم إنشاء 10 من هذه المشاتل حتى الآن، ويوضح زيوار أن داعش استخدم أماكن الغابات للتدريب وتم قطع العديد من الأشجار أو استخدامها للتدريب على الهدف أو تجفيفها بسبب نقص المياه. بالإضافة إلى ذلك، تم بيع العديد منها للحرق للتدفئة. كما أضاف، إنه تم إنشاء غابتين صغيرتين جديدتين في منطقتي تربسبية وقامشلي، قائلاً أن “هذا شيء يمنحنا الأمل، ففي السابق كنا نزرع حوالي 100، 200، 300 شجرة ونرى إنه أمر كبير، لكننا الآن نتحدث عن 30000، 40000 “.
يشير زيوار إن افتتاح المشاتل كان خطوة كبيرة، لأنه في السابق كان على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جلب الأشجار من أماكن أخرى مثل حمص وحماة، حيث تختلف التربة عن البيئة، وبالتالي تكافح الأشجار من أجل البقاء في شروط البيئة في شمال شرق سوريا.

غرس الأشجار في مدينة قامشلو
قلة الأشجار في مناطق شمال وشرق سوريا تعود لأسباب تاريخية، حيث يقول زيوار شيخو بأنه “سابقاً، لم تسمح الحكومة السورية بزراعة الأشجار لتصبح هناك غابات في هذه المناطق، أيضاً لم يكن يسمح لك باستخدام أراضيك الزراعية لزراعة الزيتون، على سبيل المثال، كنت مجبراً على زراعة القطن والقمح، فـ الحكومة كانت تجبر الناس على زراعة ما كانت تحتاجه الحكومة لتصبح أغنى. في التسعينات، تجمع بعض الناس لزراعة الأشجار، لقد كنت أعرفهم، قامت مخابرات الحكومة السورية باعتقالهم وتم تعذيبهم. إذا سألت الحكومة السورية عن هذا، سينكرونه، سيظهرون لك وثائق تنص بأن مقابل كل بئر يتم حفره، يجب أن يتم زرع من ٣٠ إلى ٥٠ شجرة. وأكمل شيخو قائلاً: هناك حوالي 2000 بئر هنا، ولكن عدد قليل جداً من الأشجار.
حيث يوضح شيخو أن “مسؤولي الحكومة دُفع لهم مقابل السماح لأصحاب الآبار بعدم زرع أي شجرة، أن الحكومة تقول شعب هذه المنطقة ليس له ثقافة بيئية لزراعة الأشجار. ولا تقول أن ذلك أتى نتيجة خطتهم وسياساتهم التي أسفرت عن هذا الوضع . وحتى الآن، تقوم حكومة دمشق بوضع العقبات أمام زراعة الأشجار”. وحسب كلام زيوار بأنهم قاموا بــ إحضار بعض البذور المعينة إلى هنا، لكن الحكومة لم تسمح بذلك، وأنهم حاولوا إحضارها بطرق سرية، لكن الحكومة السورية قامت بتعريض البذور لأشعة الليزر والتي بدورها قامت بتقليل مكونات البذور العضوية، لذلك “عندما زرعناهم، لم تنموا”، وأضاف زيوار “هذه طريقة وإحدى الممارسات التي تمارسها الحكومة لفرض الحصار على المنطقة، نحن مجبرون حقا على إيجاد حلول على المستوى الإقليمي وعدم الاعتماد على الخارج “.
ومن جانبه تؤكد بيريفان عمر، إن الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا بصدد إنشاء مختبر لتحليل تلوث الهواء والتربة، والذي سيساعد في اتخاذ قرارات بشأن زراعة الأشجار.حيث تقول بيريفان: ” حالياً، معلوماتنا بخصوص مقدار التلوث ونوعه محدودة “.
قبل تسعة أشهر، دشنت Kezîyên Kesek ( الجدائل الخضراء ) مشروعاً مع بلديات قرى منطقة الجزيرة، لزراعة الأشجار، مع العلم بأن كل بلدية ترتبط بها ما يقارب 60 قرية، وقال شيخو “قمنا في البداية بزيارة كل بلدية للتحدث معهم حول أهمية العمل على القضايا البيئية، كانوا يقولون: “لدينا الكثير من المشاكل مسبقاً”، موضحاً: “سنقوم بزيارة البلديات مرةً أخرى، واحدًا تلو الآخر، وسنبقى معهم يوماً كاملاً لمساعدتهم، فـ هدفنا هو أن تتمكن البلديات بنفسها من توزيع الأشجار والشتلات مجاناً لأهالي القرى”. كما نوه شيخو إلى أن الناس يتكاسلون بخصوص زرع شتلة شجرة وجعلها تنمو ببطء. حيث يربط شيخو هذا برغبة الناس بالأشياء التي تكون جاهزة مسبقاً و تأتي لمتناول اليد بسهولة. بيريفان عمر أيضاً تناولت هذه المسألة مدعيةً أن هذه عقلية جديدة نسبياً في هذه المنطقة، وقالت “قبل سنوات قليلة من الثورة، لم يكن هناك استهلاك للأشياء كما نشهدها اليوم، فـ اليوم الأمور لا تدوم طويلاً، على سبيل المثال، يعد استخدام البلاستيك أمراً خطيراً حقاً، وأيضاً كـ الطعام الجاهز، حيث كل شيء معد مسبقًا و جاهز لك، وقادم من الخارج. تأتي معظم الواردات من تركيا وإقليم كردستان العراق، إنه أشبه بالهجوم: فرض الحياة السريعة ، والحياة المستعجلة، وتأثير الرأسمالية، وتأثير أنماط الحياة الأجنبية … لقد دخلت هذه الأشياء حقاً في حياتنا هنا، كل شيء سريع وعاجل ويتم الاستهلاك بشكل سريع. لم يعد الناس يعرفون كيف يصنعون الطعام من الصفر أو يعتنون بالحيوانات أو الأشجار”.
تقول بيريفان عمر إن قسمهم أجروا بحثاً حول محتويات صناديق القمامة، وقالت: ” 60٪ من القمامة كانت نفايات عضوية، وهذا يعني أن الناس لا يستهلكون كل طعامهم، بالتزامن مع ذلك، يتغذى بعض الناس على القمامة، وسابقاً لم يكن الأمر على هذا النحو، ولم تكن هناك فجوة بين الأشخاص الذين يرمون الطعام وآخرون يأكلونه من القمامة، كان هناك تغيّر تزامن مع هذه الفترة ، لقد تأثر الناس بالحرب”. وتشير أيضاً إلى قضية النفايات البلاستيكية، قائلةً : “الآن، وفي كل يوم، نستخدم الكثير من البلاستيك في العديد من الأماكن، حيث بدوره يتحول هذا البلاستيك إلى نفايات وتصبح مشكلة، لذلك نحن بحاجة إلى معالجة وحل هذه المعضلة، علينا أن ننظر إلى حياتنا قليلاً، فعلاً لقد تغير شكل الحياة البشرية، فـ سابقاً، لم يكن الناس يتصرفون هكذا، وحتى الآن لا يزال هناك العديد من الأمثلة الجيدة، فـ إذا ابتعدت قليلاً عن قامشلو، وذهبت إلى القرى، فسترى أسلوب عيش مغاير و سليم، حيث هناك الحياة غير ملوثة، وليس لديهم تلك المشاكل كالتي تتواجد داخل المدينة التي يصعب عليك التنفس فيها، علينا أن نعمل على بناء ثقافة أفضل للاستهلاك، وهذا يأتي من خلال التعليم وتغيير العقليات وجعل الناس مدركين لما يجري حولهم، وكل هذا يتطلب وقت”. كما أشارت خلال حديثها إلى الجهود المبذولة لإعادة تدوير القمامة، حيث أكدت إن “هناك العديد من مراكز إعادة التدوير الصغيرة التي أُنشئت من قبل شخصيات فردية في منطقة الجزيرة”، مضيفةً “أن هناك أيضاً مركز لإعادة التدوير في منبج، وأن الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا تملك واحداً آخر في الحسكة، حيث أن الآلية كالتالي: تجمع الكومينات القمامة وتقوم بفرزها، وبدورها ترسل بعض الورق المقوى إلى مركز إعادة التدوير في الإدارة الذاتية، وترسل البلاستيك إلى مصنع آخر”. وكشفت أن الحكومة المحلية في برشلونة ساعدت في التعليم والتدريب فيما يتعلق بفرز القمامة، كما كانت واضحة أن النفط يمثل مشكلة في شمال و شرق سوريا، ولكن نظراً لأن أشياء مثل السيارات والمولدات تعتمد على النفط، فإن إمكانية الابتعاد عن النفط معدومة.
يشرح زيوار شيخو بالتفصيل تاريخ إنتاج النفط في سوريا، موضحاً بأنه عندما سقطت حقول النفط في المنطقة في أيدي الجيش السوري الحر ولاحقًا داعش، انتشرت بشكل كبير الأساليب البدائية لتكرير النفط، مما تسبب في إلحاق أضرار بالبيئة المحيطة، ويقول شيخو أنه في ظل سيطرة الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا لم تتوقف هذه الممارسات. كما أفاد بأنه “يتم بناء محطة تكرير جديدة، لأنه لا يوجد حالياً سوى محطة تكرير واحدة في شمال وشرق سوريا، والتي أُنشئت لتقليل الحاجة إلى نقل النفط إلى المناطق الحكومية لتكريره، ولكن إنتاجها لا يكفي لكامل شمال و شرق سوريا، كما ستغير هذه المحطة الجديدة الوضع بشكل إيجابي من حيث تلبية احتياجات الطاقة، لأنه هناك حاجة كبيرة للطاقة، حيث يتزايد عدد السكان وتتضخم المدن وقد أتى النازحون من جميع المناطق السورية الأخرى إلى هنا للاستقرار. لكنها ضارة من ناحية البيئة. بالنسبة لنا وبصفتنا Kezîyên Kesek الجدائل الخضراء، نقول إنه يجب علينا وضع حد لاستخدام النفط وأن نبني استراتيجيتنا على الطاقة النظيفة وأن نكون أول إدارة تعلن عن وقف استخدام النفط، يجب أن نكون أول من يدعو إلى مثل هذه المبادرة، لكن الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا ليست في موضع جيد للقيام بهذه الخطوة حالياً، لأننا في حرب في قتال ضد داعش من جهة ومن جهة أخرى هجمات الاحتلال التركي والحظر المطبق على المنطقة، ولكن إذا سنحت لنا الفرصة، يجب أن نمضي قدمًا في الطاقة النظيفة ونستخدمها بدلاً من النفط”. وينوه شيخو أن استخدام الطاقة الشمسية حاضر في جميع أنحاء سوريا، خاصةً في دمشق، حيث توجد بعض المحطات الكبيرة، لكن في شمال و شرق سوريا لا يوجد سوى مشاريع شخصية صغيرة للمنازل بشكل فردي، هناك نقاشات ولكن حتى الآن ليس هناك شيء فيما يتعلق بالمحطات الضخمة، كما هناك العديد من الصعوبات المصاحبة لذلك، مثل الحاجة إلى معدات تقنية متطورة، وهي غير متوفرة في سوريا، ويجب أن يتم استيرادها بتكلفة عالية وبصعوبة كبيرة، وحسب قوله “نريد أن نبدأ بمثل هذه المحطات، لأن هذا سيكون واقعاً يجب العيش فيه بالمستقبل وسيتعين علينا استخدامها، ليس فقط هنا ولكن في جميع البلدان، نحتاج أن نبدأ العمل بالطاقة النظيفة. الظروف هنا في سوريا جيدة لأن الشمس تعطي طاقة هائلة، وتوجد دراسات حيال مثل هذه المشاريع ولكن لا يوجد شيء قيد التنفيذ حالياً، يقوم الناس بتركيب الألواح الشمسية للمنازل، ولكن لا توجد مشاريع على مستوى قرى المدن.”
من جانبه، تشدد بيريفان عمر على ضرورة أن تلعب الكومينات دوراً نشطاً في المبادرات البيئية، وقالت: “ما هو مهم للمستقبل هي المشاريع البيئية في الكومينات، حيث الآن هناك كومينات في الحسكة تشارك في فرز القمامة”، وأَضافت “إذا كانت إحدى الكومينات قادرة على اتخاذ القرارات بنفسها والناس يتعاونون، فهذه خطوات تعتبر مهمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لأنه إذا كان الأشخاص يعملون معاً، فأنت بحاجة إلى عدد أقل من السيارات لجلب الأشياء من أماكن بعيدة.

غرس الأشجار في مدينة قامشلو
كان التفاؤل الذي تحمله بيريفان واضحاً طوال المحادثة، حيث أكدت: “لقد قطعنا خطوات طويلة، وبصراحة، لم يكن لدى معظم الناس فكرة جيدة عن البيئة قبل الثورة، وبعدها تطور هذا المفهوم كثيراً، ليصبح هذا الموضوع أكثر إثارة للاهتمام للناس، حيث لم يكن الأمر هكذا قبل 4 أو 5 سنوات، والآن، عندما تطرح هذا الموضوع ،ترى أن الناس ينصتون إليك، حتى أن الكثير من الناس قاموا بمبادرات بيئية أو غرس الأشجار، وأنا كنت أعمل على ذلك، حيث أقوم بمبادرات وحملات وأرى أن نسبة المشاركة عالية. بهذه الطريقة تبدأ الأفكار والمعتقدات بالانتشار في المجتمع، مع العلم بأنه في البداية كانت مشاريعنا صغيرة، لكنها كانت تكبر مع مرور الوقت، لقد ركزنا بشدة على زراعة الأشجار وحمايتها، ولكن في العام الماضي كانت هناك مشاريع أكبر لحل المشكلات في المدن.”
يؤكد زيوار شيخو أيضاً أن “السنوات الأخيرة قد شهدت انتشار واسع للجمعيات والمبادرات المهتمة بالبيئة في شمال و شرق سوريا، حيث بدأ المجتمع المدني على نطاق أوسع في التطوير والعمل على المشاريع البيئية، وخطوة بخطوة تمكنا من تكوين مجموعة من بعض جمعيات المجتمع المدني التي تعمل من أجل البيئة. نريد أن نضع كل الجمعيات والمنظمات المهتمة بالبيئة تحت مظلة واحدة، بحيث يمكن توحيد خططنا واستراتيجيتنا “. ويشير أن جمعيتهم ترغب في الحصول على مزيد من التعاون مع الإدارة الذاتية، ويضيف أن هناك حاجة إلى تنظيم بيئي أكثر نشاطاً، وقال “في استراتيجيتنا، نشرك جميع الناس: الطلاب، كبار السن، الشباب، المدارس، الكومينات، يجب على الإدارة الذاتية دعمنا ومساعدتنا”، كما نوه أن جمعية الجدائل الخضراء تبحث عن علاقات وتواصل مع جمعيات ومنظمات بيئية أخرى في أوروبا وأمريكا، وقال “تعمل العديد من المنظمات البيئية منذ عقود، لكن نحن في البداية، لذلك نحن بحاجة إلى التعليم والتدريب في العديد من الجوانب، نحن بحاجة للمشاركة في اجتماعات حول حماية البيئة على المستوى العالمي، سوف يكون هذا مفيداً، بشكل عام، ما زلنا هنا في حالة حرب، ونأمل أن نكون صوتاً للبيئة”.
يتم طرح حالة الحرب وتأثيرها بين الماضي والحاضر باستمرار في جميع المقابلات الثلاثة. يقول أبو برزان : “في شمال شرق سوريا، أثرت الحرب على كل شيء كثيراً، فـ عندما كان ينفذ الوقود من الناس كانوا يذهبون لقطع الأشجار. وعندما بدأ انقطاع التيار الكهربائي في الظهور بشكل متكرر، احتاج الناس إلى مولدات، و أحد أسباب انقطاع التيار الكهربائي هو انخفاض تدفق المياه في السدود “.
أبو برزان يتأسف للحاجة إلى مولدات، حيث قال “سأذهب الآن لتشغيل المولدة لتزويد المنازل بالكهرباء”، وقال وهو يخطو خارج منزله مباشرةً حيث توجد المولدة الكهربائية في الحي “إذا وصلت الكهرباء الرئيسية، فسيكون ذلك أفضل للبيئة والمدنيين “. ويشير أيضاً إلى قيام تركيا بقطع تدفق المياه إلى شمال و شرق سوريا قائلاً “أن ضعف الأداء الناتج من سدود شمال و شرق سوريا يحد من إمداد الكهرباء العامة، ففي بداية الحرب الأهلية السورية تضررت جميع محطات وخطوط الكهرباء، حيث كان هناك تقنين للكهرباء المتمثل بتوصيل الكهرباء لمدة 3 ساعات وقطعها لـ 3 ساعات بشكل متواصل، لقد كان ذلك الشتاء صعباً حقاً، حيث كان يذهب الناس لقطع الأشجار لحرقها على مواقد الحطب. هذه المولدة الموجودة في الحي اشترتها عائلة ثرية، ونحن مسؤولون فقط عن تشغيله وجمع الرسوم الشهرية، وهذه المولدات المتواجدة في المدينة تنتج الدخان وتلوث الشوارع، فـ الدخان الأسود التي تسببه المولدات يؤثر على صحة الناس، لكننا مضطرون لاستخدامه بسبب قلة الكهرباء، الحل يكمن هنا وهو تحسين إمدادات الكهرباء العامة “.
تقول بيريفان عمر: “علم البيئة هو مبدأ أساسي من مبادئ الإدارة الذاتية “، وأضافت: لكنها (الإدارة الذاتية) دائماً في حالة طوارئ، لأن هناك حرب “. وأشارت إلى موضوع قطع الأشجار على يد الجيش الوطني السوري في عفرين التي تحتلها تركيا، وقالت: “عفرين في رأيي أجمل وأكثر المدن أخضراراً.، لكنكم ترون ما يحدث هناك، تم قطع ما يقرب من نصف مليون شجرة منذ غزو تركيا لها في عام 2018، هذه أيضاً مسألة تتعلق بالعقلية، فـ الناس الذين يقطعون الأشجار لا يعرفون ماذا تعني هذه الأشجار، لقد جاؤوا للتو ثم قطعوها دون أي تردد، تركيا تدمر البيئة هناك، كيف يمكنك تدمير مكان أو منطقة وقتل الناس لأجل مصالحك، تحت ذرائع مثل حماية أراضيك؟ الوضع صعب للغاية هناك “. وتضيف بأن ضربات الطائرات بدون طيار التركية تعرقل عمل جميع موظفي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وقالت قائلة “الهجمات التركية المستمرة على منطقتنا تشكل عقبة، ففي الآونة الأخيرة، فقدت الرئيسة المشتركة لإدارة المجلس التنفيذي حياتها في استهداف، لقد صدمت عندما سمعت هذا. ما سبب قتل تركيا لها؟ هل لأنها كانت تقوم ببناء مجتمع يمكن للناس أن يتعايشوا مع بعضهم البعض فيه؟يعمل موظفو الإدارة الذاتية بجد ثم يتم استهدافهم وقتلهم من قبل تركيا، تخيل أنك تبني شيئًا رائعًا للناس وهذا يكون سبب قتلك، في كل مرة تحدث هذه الهجمات، فإنها تحد من عملنا لبعض الوقت، لأنهم يجعلوننا نخشى الخروج، هذا يعرقلنا ويمنعنا للخروج لمشاهدة مشاريعنا أو حضور الاجتماعات، لأننا لا نريد نخاطر بحياتنا أو حياة أحد أخر معنا، مما يؤثر علينا حقاً. من الصعب العمل بشكل جيد في مثل هذه الظروف “.
١.آب.٢٠٢٣