القتال ضد داعش لم ينته بعد – عين أوروبية على التطرف

0مشاركات1مشاهداتانشر في الفيسبوكانشر في تويتر

رسلان طراد**

في منتصفِ أبريل 2018، تداولت مجموعاتٌ عبر الإنترنت من التي تحظى بمئات المؤيدين، بياناتٍ جديدة من قيادة داعش، تحوي رسائل للمتعاطفين والمقاتلين، أن هناك أخبارًا سترِد في القريبِ العاجلِ، وأن عليهم الاستعداد لعملياتٍ جديدة. عقب ذلك بوقتٍ قصير، نُشر تسجيل صوتي للمتحدث باسم داعش يدعوهم فيه لتوحيدِ الصفوف.

ويبدو أن هذه المجموعات لا تزال نشطةً، وتنشر عشراتِ الرسائل يوميًا، ورغم أن هذه البيانات الجديدة تشكِّل مفاجأة للرأي العام نوعًا ما، فإنها ليست كذلك بالنسبة للمحللين الذين يرصدون عن كثبٍ تطور التنظيم. وفي الوقت الذي تصدر فيها تصريحاتٌ متفائلة عن سياسيين من روسيا والولايات المتحدة حول تدمير داعش، فإن الخبراء يدركون أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ذلك أن الهيكل الأمني الأساسي، وآلة الدعاية، والخلايا النائمة والمقاتلين -وإن تراجع عددهم- لا تزال جميعها نشطة رغم العمليات العسكرية التي نفذها التحالف الدولي على مدار السنوات الماضية.

داعش يقوى في مصر

وتشير التقارير إلى أن تنظيم داعش لم يظهر أية نيّة للاختفاء في صحاري سوريا والعراق، بل إن مؤشراتٍ تفيد بتحضيراته لشنّ هجماتٍ جديدة، في الشرق الأوسط وخارجه. كما أن هناك مؤشرات واضحة على أن التنظيم يقوِّي صفوفه ويعزز مواقعه. وفي هذا الصدد نجد مثالًا حاضرًا وهو الهجمات التي يشنها التنظيم، فرع ولاية سيناء في مصر بصورةٍ دورية على قوات الأمن. ففي شهر أبريل فقط، نفَّذ التنظيم ما لا يقل عن خمس هجماتٍ، أسفرت عن مقتل جنود أو الاستيلاء على إمدادات. وفي الأسبوعِ الأول من يونيو، شنّ تنظيمُ داعش في سيناء هجومًا دمويا أدى لمقتل 8 من رجال الشرطة على نقطة تفتيش. في وقتٍ لاحق، وقعت اشتباكات أخرى في العريش، التي تقع في شمال سيناء. وبذلك، وعقب أشهر من فقدان الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، لا يزال تنظيمُ ولاية سيناء أحد أكثر أفرع داعش نشاطًا، مستغلًا ضعف إحكام قبضة وقدرات الحكومة المصرية في سيناء، ومن ثم تمكن الجهاديون من إقامة قاعدة آمنة ومتمددة، وينشط تنظيم ولاية سيناء في ما لا يقل عن أربع مدن في شبه جزيرة سيناء.

من جانبها، تساعد السلطاتُ المصرية التنظيمَ -عن غير قصد- عبر استجاباتها غير الكافية وسياستها في التعامل مع هذه المنطقة، في استمرارِ التنظيم وتمدده. فيبدو أن التنظيم يستغل الأوضاع هناك، إذ يعاني أكثر من 420 ألف شخص من سكان سيناء صعوباتِ الحصول على الخدمات والإمدادات الأساسية؛ مثل الأدوية والطعام، نتيجة للحملات العسكرية المستمرة والتي تعيق، في أحيانٍ كثيرة، وصول هذه الخدمات. وكرد فعلٍ عكسي من السكان، ممن لهم تاريخٌ طويل من التمرد على الحكومة المركزية، فإنهم يرفضون التعاون مع الأجهزة الأمنية، مما يسهِّل على مقاتلي داعش الهروب عقب كلِّ هجوم.

وجود مكثف لداعش في أفغانستان وإقليم الساحل

نشاط داعش المكثف لا يقتصر على مصر فقط، ففي أفغانستان ومنطقة الساحل بأفريقيا، هناك مؤشراتٌ متنامية على أن التنظيم يقيم قواعد محلية هناك. في كابول، تذكرنا الهجمات العديدة التي وقعت خلال فصل الربيع الماضي أن “ولاية خراسان” تنوي البقاء بشكل دائم في أفغانستان. ويظهر سقوط عشرات الضحايا والانهيارات الأمنية مدى صعوبة مواجهة الحكومة المركزية للتحدياتِ التي تشمل القتالَ ضد طالبان، على عدّة جبهات. يذكر أنه منذ وصوله إلى أفغانستان، استفاد تنظيم داعش، بشكل كبير، من المشكلات التي تعانيها الدولةُ هناك من الانقسامات العرقية والطائفية، والفساد الحكومي، وما إلى ذلك – حتى أنه تمكن من استمالة بضع مئات من مقاتلي طالبان إلى صفوفه. وهكذا، أصبح لدى ولاية خراسان، في مقاطعة نانجارهار، وشمال أفغانستان، قاعدتان -على الأقل- يمكن أن يستخدمهما في أنشطته داخل أفغانستان، وربما للتخطيط قريبًا لتنفيذ أعمالٍ خارجها.

وفي منطقةِ الساحل الصحراوية بأفريقيا، واجه تنظيمُ داعش مقاومة من منافسه الأيديولوجي الرئيسي، تنظيم القاعدة. ومع ذلك، تمكن داعش من تنفيذِ عملياتٍ ضد القوات الجزائرية، والمالية، والفرنسية، ولا يزال يتمدد. قبل عامين، شن داعش هجومًا على فريقٍ من القوات الخاصة الأمريكية في النيجر، أسفر عن مقتل أربعة منهم، مما أشعل جدلًا ساخنًا في الولايات المتحدة حول سبب وجود قوات أمريكية في المنطقة بالأساس، ولماذا لم يكونوا مستعدين لذلك، ويصدوا مثل هذه الهجمات.

في بداية يونيو من هذا العام، أعلن داعش عن وجوده -لأول مرة- في موزمبيق، وتُعد هذه حلقة أخرى في تطور داعش في أفريقيا. وهكذا، يبرز وجود التنظيم في المناطق الغربية والوسطى من القارة بشكل متزايد من خلال الدعاية التي يقوم بها التنظيم وعملياته. والآن، يوسِّع داعش نطاقَ انتشاره إلى شرق أفريقيا. وعبر السعي لاستنساخ نموذج خصمه الأيديولوجي، تنظيم القاعدة، يستغل داعش الظروف المحلية وحالة السخط بين السكان، ويقوم بما يشبه الاختطاف للحركات المحلية المناهضة للحكومة والمتمردين. وقد أثبت هذا التكتيك نجاحه بشكل خاص في غرب أفريقيا ونيجيريا، حيث أصبحت بحيرة تشاد “عين العاصفة”، وأصبح داعش قويًا جدًا في هذه المنطقة، واضطر الجيش النيجيري إلى التراجع في بعض المناطق. وفي تونس، توسع وجود داعش، وأصبحتِ الاشتباكاتُ مع قواتِ الأمن أكثر شيوعًا على مدى العامين الماضيين. ويُعد التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في تونس العاصمة، في نهاية يونيو، بمثابة شهادة على تنامي قدرةِ داعش في الدولة.

داعش لا يزال قويًا في سوريا

رغم الحملاتِ العسكرية المكثفة للتحالف الدولي، في الموصل والرقة، تمكن الجهاديون من الاحتفاظِ بأجزاءٍ أساسية بل ومهمة من قواتهم المقاتلة. ولا يزال من غيرِ الواضح ما الذي حدث لبضعة آلاف من المقاتلين الذين انسحبوا من الموصل والرقة: وفقًا لمعلوماتٍ من الخبراء وأجهزة الاستخبارات، اختلط جزء منهم مع السكان المحليين، وتراجع جزء ثان، وأعادوا تجميعَ صفوفهم في مناطقَ أخرى، فيما حاول جزء ثالث العودة إلى أوطانهم.

رغم كل هذا الحديث عن خطر عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم، لم يول اهتمامٌ كافٍ لحقيقةِ أن تنظيم داعش لا يزال له وجودٌ استراتيجي في سوريا، لا سيما في البادية؛ تلك المنطقة الصحراوية في الجنوب الشرقي. وفي هذه المنطقة، حول التنف والسويداء، تمكن التنظيمُ من تنفيذ هجماتٍ مروعة، فضلًا عن مواصلة عمليات التحرش بالقوات التي تحتل هاتين المنطقتين.

واليومَ، ومن خلالِ مؤيديه المحليين، أنشأ التنظيمُ شبكةً من النفوذ على الأراضي الزراعية والطرق التجارية، وهو قادرٌ على نشرِ الخوف بين مئات الآلاف من السكان. في الماضي، اكتسب داعش نفوذًا بسببِ تشرذم المتمردين. ورغم أن نظام بشار الأسد يسيطر الآن على معظم هذه المناطق، فإن ذلك من غير المرجح أن يكون مفيدًا؛ لأن الديكتاتور طرفٌ غير موثوقٍ به، وغير متسق، وغير كفء في مكافحة الإرهاب.

لقد سمح نظامُ الأسد لداعش بالتمدد شرقًا لبناءِ خلافته، وخلال جهودِ المتمردين لهزيمة الجهاديين، شنّ غارات جوية ضد المتمردين. وعندما تحرك الأسد مؤخرًا ضد التنظيم في ضواحي دمشق الجنوبية، فقد السيطرةَ على حيّ القدم الدمشقي، ثم ترك معظم الجهاديين يهربون. لذا، فينبغي علينا الاهتمامُ بهذه الأحداثِ والديناميات؛ لأنها تؤكد كيف أصبح التنظيم قويًا جدًا في سوريا، ولماذا سيبقى كذلك.

الوضع ليس أفضل حالًا في شرق سوريا حيث لا تزال قواتُ سوريا الديمقراطية، القوة الشريكة للولايات المتحدة، صامدة. بعد الاستيلاء على مدينة الرقة، حلّ الجمود على جهود القوات الكردية والأمريكية، وبعد تدخل أنقرة في عفرين، تفاقم الوضع أكثر. وهكذا، احتفظ التنظيم بسيطرته على القرى المحيطة بنهر الفرات، وعلى طول الحدود السورية العراقية. ومنذ منتصفِ أبريل الماضي، يشنّ الجهاديون هجماتٍ يومية على البوكمال والميادين ودير الزور. وقد سجلت البيانات الواردة من مركز معلومات روجافا أنه في شهر مايو 2019 وحده، قُتل 78 شخصًا على الأقل في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، خلال 139 هجومًا نفذتها خلايا نائمة تابعة لداعش.

العراق

خلافًا لتصريحاتِ السلطات العراقية، بأنها تدمر الجهاديين وتدحرهم، فإن داعشَ يواصل، باستمرار، هجماته في جميعِ أنحاء البلاد. وفي الواقع، أفاد الجيش العراقي بأن أكثر من 200 جندي لقوا حتفهم في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018، دون احتساب خسائر الشرطة. ولا شك أن هذه خسارة ثقيلة نظرًا لأنه لا يخوض معارك رسمية مع التنظيم. ولم يتحسن الوضع منذ ذلك الحين.

في الفترة ما بين 5 مايو و3 يونيو 2019، وفي إطار “عملية العزم الصلب”، نفَّذَت قوةُ المهام المشتركة بقيادة الولايات المتحدة 11 عملية تتألف من 34 اشتباكًا ضد أهدافٍ لداعش في العراق. وأكدت مديرية الدفاع المدني العراقية بعد ذلك بقليل أن أكثر من 6100 فدان من المحاصيل الزراعية تم حرقها، في أقل من أسبوعين، في 136 حادثًا منفصلًا. وقد أعلن التنظيمُ مسؤوليته عن العديد من الحرائق، في الأسابيع الأخيرة، مبررًا استهدافه لمحاصيل القمح بأنها تأتي انتقامًا من أولئك الذين يرفضون دفع الضرائب.

وبدأ داعش، مرةً أخرى، يختطف نشطاءَ سياسيين ورؤساءَ مراكز الشرطة المحلية، مما أثار الذعرَ في أوساط الأفراد العاديين، كما كان الحال في الفترة 2008-2009، وهي الفترة السابقة لظهور التنظيم. وفي العام الماضي، شنت القوات العراقية غارات جوية واسعة النطاق على طول الحدود مع سوريا، حيث ظهرت معلوماتٌ تفيد بأن التنظيمَ قام بتهريب عشرات المقاتلين.

الخلايا النائمة تستيقظ في البلقان!

نظرًا إلى أن التنظيمَ يحتفظ بالقواعد التي يمكن أن ينطلق منها بحرية، فإن فرصَ استعداده لشنّ هجماتٍ -في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا- كبيرةٌ، ومن المرجح أن تزداد. فالتعليماتُ الأخيرة التي يقدِّمها داعش للمتعاطفين معه، عبر قنواته الدعائية المشفرة، تُظهر أنه تجاوز مرحلة “الخلايا النائمة” إلى فرق العملياتِ النشطة التي تستعد لشنّ هجماتٍ جديدة خارج الشرق الأوسط، إضافة إلى هجماتها في “المركز” في سوريا والعراق.

من بينِ المجالات التي فقدت الاهتمامَ الدولي لأسبابٍ عدّة هي جنوب شرق أوروبا. إذ لا تزال دول البلقان مصدرًا لعدمِ الاستقرار لكل من المجتمعات المحلية والمناطق المجاورة لها. فلقد سافر مئات المقاتلين إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيمي داعش والقاعدة. وبدأ بعضهم في العودة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن، في الوقت الذي تكون فيه برامج مكافحة التطرف موجودة على الورق فقط في أغلب الأحيان. بعض مقاتلي البلقان في داعش والقاعدة هم قادة عسكريون ومقاتلون نشطون أصبحوا نموذجًا لمؤيديهم. ومع ذلك، فإن كلَّ محاولة لتسليطِ الضوء على مشكلات دول البلقان، اليوم، يتم تجاهلُها، إن لم يكن رفضها بقوةٍ، من قبل الخبراء والمسؤولين على حدٍّ سواء.

تُظهر آخرُ الأخبار الواردة من بلغاريا، أنه حتى الدولة التي ليس لديها سجلُ بياناتٍ بشأنِ نشاط مواطنيها، في صفوفِ داعش والقاعدة، ليست محصنةً من وقوع مواطنيها تحت تأثير أيديولوجيا داعش المتطرفة. وفي هذا الصددِ، ألقتِ السلطاتُ القبضَ على طالبٍ يبلغ من العمر 16 عامًا من مدينة بلوفديف في أوائل يونيو للاشتباه في إعداده قنبلةً بعد أن قام أحد مجندي داعش بتوجيهِه على الإنترنت. ولم تثبتِ السلطاتُ أو وسائلُ الإعلام في البلاد أنها مستعدة للتعامل مع مثل هذه الحالات بسبب إهمالِ الموضوع.

وختامًا، تظهر كافة المؤشرات – من جنوب شرق آسيا مروراً بالشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا- أن تنظيم داعش نشط جدًا. ومن ناحية أخرى، صعود اليمين المتطرف يغذي دورةً من التطرف والعنف، من شأنها أن تصبّ في مصلحة داعش. لذا، يتعين علينا أن نحرر أنفسنا من تصور نجاحاتنا المُتخيّلة -مثل شعار “دحر داعش” الذي تروّج له وسائل الإعلام- وأن نبدأ العملَ برويّة وبشكلٍ تدريجي للحيلولة دون تحقيق هذا النوع من الأيديولوجيات لأهدافه.


*يسعى موقع «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يعبر عنها الكتاب المساهمون، والآراء الواردة في المقالات والدراسات تعبر عن وجهة نظر أصحابها.

**صحفي ومحلل مختص بمنطقة البلقان وسوريا، وهو أحد مؤسسي مجلة De Re Militari Journal ، ومؤلف كتاب “جريمة قتل ثورة” المنشور في 2017.